دروس عاشوراء
 

عبدالملك سام

عبدالملك سام / لا ميديا -
ملايين المسلمين تكلموا عن ذكرى "مذبحة" كربلاء، وملايين المسلمين أيضا اختاروا أن يتجاهلوها، بل وتمنوا أن ينساها الجميع، فلماذا؟!
دعونا نبدأ من الموقف الثاني أولاً، لنعرف لماذا هناك من اختار أن يتجاهل ذكر حادثة كربلاء، فالقصة معروفة ومشهورة، وشخصية الإمام الحسين بن علي (ع) معروفة جدا، ولا يختلف اثنان على مكانته واستقامته وشجاعته وصدقه وموقفه وقرابته لرسول الله (ص)، والقصة مؤلمة تعبر عن الحق في أنصع صوره، والباطل في أشنع صوره أيضا. فما الذي يدفع البعض ممن ينتمون للإسلام إلى أن يقفوا موقفا سلبيا من حادثة قتل فيها ريحانة نبيهم وأسرته وبعض أصحابه بطريقة وحشية مؤلمة دون أن يستطيعوا أن يقولوا شيئا، أو يحددوا موقفهم ممن قال فيه النبي (ص): "حسين مني، وأنا من حسين"، بل والأدهى أن يحاولوا التعمية على القصة ويتمنوا أن ينساها المسلمون وكأنها لم تحدث؟!!
هذا الموقف تجسيد لعواقب اتخاذ الموقف الخاطئ وما يمكن أن يجلبه على صاحبه من خزي في الدنيا قبل الأخرة، وهو موقف عاجز اختار صاحبه أن يسكت حيث كان يجب أن يتحدث، ولذلك لا بد من أن يتطور هذا الموقف أكثر نتيجة خذلان الحق والصدق، ليخذل فيما بعد صاحبه فلا يدري ماذا يقول أو يفعل، ويتحول فيما بعد إلى عناد لا منطقي يصل بصاحبه إلى درجة منحطة من النكران والحقد على أهل الحق، والنتيجة لذلك كله هي أن يجد نفسه لا منطقيا في إيمانه وصدقه ومواقفه وتحركه، وأخيرا النفور من الحق برمته، فيعيش ذليلا مخذولا لا يعرف سببا لذلك!!
القصة لو حصلت في أمة أخرى لكانت سببا لاجتماعها لا لفرقتها، والحادثة لو حصلت لأي شخص آخر لكانت كافية لتحريك مشاعر الغضب والسخط لدى كل من عرفوها لتكون دافعا للثورة ضد الطغاة في كل عصر، فما بالكم بالحسين سبط النبي وسيد شباب أهل الجنة؟! ولكن للأسف، استطاع أعداء الأمة من يهود وطغاة وبغاة أن يجمدوا مشاعر الناس بالخوف والأطماع والتضليل حتى لا تكون هذه الحادثة سببا في تغيير وجه الصراع بين الحق والباطل بشكل جذري، فهم يعرفون جيدا أن هذه الحادثة كانت تستطيع توحيد الأمة، وجعلها أمة عزيزة كريمة لا تقبل بالظلم وبالطغاة وحكام الجور.
أما بالنسبة للذين اتخذوا موقف الحق والصدق والوفاء لبيت أهل النبوة، فلا يجب عليهم أن يكتفوا بالحزن، بل يجب أن تكون الحادثة سببا لشحذ الهمم وتوطين النفوس على اقتحام الأهوال لنيل الحقوق. والبكاء والحزن لا يجب أن يجمدنا، بل يجب أن يتم توجيه هذه المشاعر لتكون محركا لثورة تجتث الطغاة من بلداننا، ثم تتجه لتحرير كل الإنسانية من الظلم والجور، وأن نتعلم من الحسين (ع) وأصحابه كيف نقف موقف الحق المشرف مهما كان فارق الإمكانيات والعدد والعدة، وأن نعتبر موقفه ثقافة ننهل منها لنعيش كرماء أعزاء وأحراراً، فقد تعلمنا من الإمام الحسين (ع) دروسا عظيمة لا بد من أن تغير واقعنا، وأن نعلم العالم فيما بعد كيف ينتصر الحق على الشر مهما كانت الظروف.
السلام على الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى أنصار الحسين، وعلى شهداء الحق في كل زمان ومكان ممن ساروا على درب الحسين. ولا نامت أعين الجبناء.

أترك تعليقاً

التعليقات