تراجع المشهد الثقافي
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لقد أصبح المتتبع للحركة الثقافية والفكرية في هذه المرحلة يجد ما يدمي القلب ويُبكي العين، وخصوصاً في كل ما هو داخلٌ ضمن المجال الفني أو الأدبي الذي لا بد فيه من توفر الحس العالي القادر على الخلق والابتكار من كل حادثة أو قضية أو فكرة أكثر من صورة إبداعية تستطيع النفاذ إلى أعماق القلوب لتتمكن من التأثير على الذات التي حلت بدواخلها بما يمكنها من التوصل إلى القناعة التي تستوجب القيام بموقف جاد تجاه ما يجري على كل المستويات، إذ بات الزامل الذي شهد تميزاً كبيراً في بداية العدوان، أو لنقل بصورة أقرب إلى الصواب في السنوات الأربع من زمن مواجهة العدوان، يشهد تراجعاً غير مسبوق في ما بعد السنوات الأربع إلى يوم الناس هذا، وهو لايزال في انحدار نحو الأسفل دونما توقف عند نقطة معينة، وكما هو معلوم لم يحظ الزامل الشعبي بوجود منافس له بحيث لو تراجع أحدهما حل الثاني محله، إذ لم يكن هناك توجه من قبل الفنانين نحو إيجاد الأغنية الوطنية التي غابت تماماً عن الساحة، وإن وجدت بين فترة وأخرى فإنه ذلك الوجود الباهت الذي يظهر على استحياء يجعلها تدفن قبل أن تندفع خطوة واحدة إلى الأمام.
وكما تراجع الزامل الذي اكتسح الساحة وحل في الذهنية الشعبية العامة محل الأغنية بمختلف ألوانها وأغراضها، تراجعت كذلك القصيدة الشعرية التي لم يكن لها منافس من الألوان الأدبية الأخرى، فلا قصة ولا رواية ولا رسم ولا أعمال سينمائية تخفف الحمل الملقى على كاهل الشعر الذي ظل وحيداً في واقعنا واستطاع تحقيق نجاحات لا يستهان بها، لكنه أصيب في هذه المرحلة بشيء من العجز الذي لم يقف به عند المراوحة مكانه، بل دفعه إلى العمل على محو كل نقاط تقدمه واستبدالها بنقاط ومظاهر لا توحي بالشعر ولا تدل عليه من قريب ولا من بعيد، ليس لعدم وجود شعراء جديرين بحمل راية الشعر، فهم كثر وموجودون بأساليبهم الفنية المتنوعة وعطائهم الشعري الجزيل والخلاب، وإنما لوجود ما يوحي برغبة من قبل جهات بعينها في فتح الباب على مصراعيه لدخول كل من هب ودب إلى الساحة الشعرية لتقلده تلك الجهات اسم الشاعر وتسمه بالأديب وتطري عليه بالكاتب المتمكن والثائر المبدع والمتميز.

أترك تعليقاً

التعليقات