الثقافيون بين العقيدة والتقاليد
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كثر في الآونة الأخيرة عدد الذين يدعون التخصص في المشروع والفكر القرآني، الذي خط معالمه، وأقام قواعده، وأرسى مداميكه الشهيد القائد الحسين بن بدر الدين الحوثي، عليه من الله السلام والرضوان، وبقي حياً حاضراً متجدداً خلاقاً بعد استشهاده، إذ جاء من الحسين حسينٌ في روحه وموقفه وصلابته في الحق، وحكمته وجهاده، وغيرته على دين الله وعباده، وحبه للناس، وهو سيد الثورة، أبو جبريل، أيده الله، الذي في ظله بات اليمن يولد من جديد، ويغير ويتغير، ويصنع تحولات كبرى، ويتحد مع أحرار ومستضعفي العالم، لمواجهة قوى الهيمنة والنهب والاستكبار، وهذه الكثرة العددية لهؤلاء المتخصصين أو الخبراء بالفكر القرآني هي: مبشرةٌ بالخير من جانب، ونذير شؤمٍ من جانب آخر! وذاك ما يمكن مقاربته من عدة زوايا، لكي نصل إلى معرفة كيف تكون الكثرة لشخصيات تتحرك لنشر ثقافة القرآن إيجابية في حين، وسلبية حيناً آخر؟ وذلك من خلال ما يلي:
لن يكون لهذه الكثرة أثر إيجابي في الواقع، وشيء ملموس في جوانب التوعية والتربية والتثقيف، ويصبح عملها فعلاً لصالح المشروع، إلا متى التزمت بتقديم الثقافة القرآنية للناس كما هي، بجاذبيتها وكمالها وأساليبها وأدواتها ومبادئها، وذلك لن يتم لأيٍ كان، وإنما يختص بذلك مَن ينطلق من بين الجماهير، حاملاً همومهم، ومعبرا عن التزامه بواجب هدايتهم، والدفاع عنهم، وتبني قضاياهم، وينحاز للحق والحقيقة، لا يماري أحداً على حساب ضياع المعروف، وشيوع المنكر، ولا يحابي جهة أو شخصية، مادامت تعمل ضد مجتمعها وأمتها، ولا يقبل التأطير في زاوية ما، أو منصب أو مؤسسة، لأن ذلك هو السبيل لتطويعه، وإفراغه من ثوريته، فيموت حسه الاحتجاجي، وتختفي نظرته الفاحصة والناقدة للأمور، ويصبح جل همه هو: كيف يبرر لهذا أو ذاك كل ما هو عليه من قصور، أو تجاوزات، أو مظاهر ظلم وفساد، وهو أيضاً يتعامل مع الثقافة القرآنية من منطلق إيماني، كعقيدة تهب الروح سموا، وتحررها من كل نوازع الخوف والحاجة، وتزيل من قاموسها الاعتبارات والحسابات التي تحتم عليها الدخول في مساومة مع هذا أو ذاك لبيع الدين بثمن بخس.
وأخيراً، فإن ما يليق بمشروعنا وثقافتنا هو: العمل على تقديمهما للناس كعقيدة، تصنع المعجزات، وتذلل الصعاب، وتتجاوز العوائق، عقيدة تدفع معتنقها للكدح باتجاه الله، في رحلة تكامل لا مكان فيها للتوقف، ولا حد لانطلاقتها، كونها تسير نحو المطلق، الذي لا يحده مكان، وتحلق في آفاق لا نهاية لها، ولنحذر كل الحذر من كل صوت أو فكرة أو شخصية أو جهة تريد أن تحول هذه الثقافة التي هي عقيدة وجهاد، إلى تقاليد اجتماعية، محاطة بمجموعة من الطقوس والأوراد، التي تفرض على الناس العمل بها، كعادة، لا كعبادة.

أترك تعليقاً

التعليقات