مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ثمة أناسٌ رُزِقُوا القدرة على البيان في ما يودون الحديث عنه، مع عمق في الطرح، وسعة في التناول، وجمال في الأسلوب، الأمر الذي يجعلك تفكر: ماذا لو أن هؤلاء ظلوا على فطرتهم، وسخروا قدرتهم تلك في خدمة القضايا العادلة والمحقة، وعملوا على تبصير المجتمع من حولهم بكل ما يعود عليه بالنفع، ويحقق له الخير الكثير في جميع شؤون حياته، ولم يقعوا أسرى لبلاطات القصور، التي تخلع عليهم بدورها كل ما من شأنه أن يحيل أقلامهم وألسنتهم إلى سيوف ملطخة بدماء ومدامع عامة الناس من البسطاء والمحرومين، أو يجعلهم تجاراً مهرة، فيبيعون الزيف والأوهام، ويصبح شغلهم الشاغل هو: كيف يصنعون لفلان مناقب، ويدعون له من الفضائل والمزايا والصفات والمحامد الشيء الذي لم يسبق لابن امرأة أن حظي بعشر معشارها؟ لا لشيء إلا لأنهم يودون الحصول على المزيد من المكاسب المادية، ويرومون الزيادة في علو الدرجة، ويبتغون المواضع التي تمكنهم أكثر من القرب من ذوي الجاه والسلطان، ولا ضير إن خسر المجتمع كل شيء، ماداموا هم قد كسبوا، ونالوا ما أرادوا.
وللأسف، فتاريخنا العربي والإسلامي قديماً أو حديثاً مليءٌ بمثل هؤلاء، وبالكاد نجد حقبةً زمنيةً خاليةً من سمومهم الباطلة، وأكاذيبهم المضللة، وقصصهم المختلقة، إذ كان واقع كل مَن ولي أمراً من أمور الناس فقصرت به همته عن القيام به كما يجب يدفعه لتعويض هذا النقص باستقطاب مثل هؤلاء الناس، الذين يستطيعون بجرة قلم أن يحيلوا الخلّ عسلاً مصفى، ويفلسفوا كل مفسدةٍ حتى تصير علامة من علامات البر والصلاح، ففلان الخليفة يبعث برسالة إلى نهر النيل، حينما جف، وما إن قذفوا فيه رسالته حتى عاود الجريان من جديد، وكأن شيئاً لم يكن! بل يرى الجيش من منبره وهو في أقصى الأرض، ثم يناديهم فيسمعون نداءه، وينفذون توجيهاته! هذا فقط نموذج بسيط من اشتغالات الدجالين والمرتزقة الذين لانزال نجدهم إلى اليوم، وهم يعملون بنفس الأسلوب، ويكررون المنوال ذاته.
ولكن أنّى لبضاعتهم هذه أن تجد لها سوقاً رائجة في وسط مجتمعي قائمٍ على أساس القرآن، وسائرٍ في خط ولاية عليٍ (عليه السلام)، حتى وإن بدا لهم في لحظة من اللحظات أن الأمور تسير في صالحهم، لاسيما إذا ما لمسوا تشجيعاً على الاستمرار من هنا، ولقوا إشادةً من هناك، فالغالبية من القرآنيين يسخرون منهم، ويمقتون فعلهم هذا، وبالتالي فهم معرضون للخسارة، بعد أن تصاب بضاعتهم هذه بالكساد، فلا تجد أحداً يقبل عليها.

أترك تعليقاً

التعليقات