الإسلام الأصيل ومحاربة الاستبداد
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لقد عانت الشعوب من التسلط والقهر آلافاً من السنين حتى توصلت إلى شي‏ء من الحلول.
فقد كان الحكام، من الملوك أو الأباطرة أو السلاطين، يمارسون سلطة مطلقة مدعين الألوهية أو نيابة الألوهية، الأمر الذي يسمح لهم بالتحكم بالأرواح والحريات والأرزاق، تشهد بذلك معطيات التاريخ من جهة، والآثار العمرانية الضخمة من جهة ثانية، فالقلاع والمعابد، من قلعة بعلبك إلى أهرام مصر إلى أكروبول اليونان...  تدل دلالة‏ واضحة، وهي التي استنفدت مجهودات مئات الآلاف من البشر بالضرورة، نظرًا لبدائية الوسائل، على تملك الحكام‏ لمجهودات الناس وقوة عملهم، الأمر الذي أدّى إلى استعبادهم ودفعهم إلى أعمال السخرة، إضافة إلى الأرواح التي‏ كانت تزهق في الحروب الخاصة، التي كانت تثيرها المطامح والمطامع، تلك الحروب التي كانت تلتهم في ما تلتهم‏ ثروات الشعوب من أموال خاصة وعامة.
ومنذ ذلك الوقت، والشعوب تناضل للخلاص من النير، ولم تحقّق نتائج معقولة إلا في العصور الحديثة، حيث أخذت ‏تختار ممثليها ليناقشوا الضرائب التي تفرض عليها، وليشرعوا لها في عملية حدّ من سلطات الملوك والسلاطين. وهكذا فقد جرى تبني إعلانات ومواثيق تتعلق بحقوق الإنسان منذ نهايات القرن الثامن عشر حتى أيامنا هذه.
أما الإسلام الأصيل الذي لايزال بحاجة إلى المزيد من الجهود والمهج والدماء لتظهيره؛ فقد قيد سلطة الحاكم من الأساس، بحيث يحكم بما أنزل اللّه، فحمى حياة الإنسان منه كما حمى حريته وماله. وفي ما يخصّ الحريات المعروفة اليوم تقليديّاً، فقد بحث الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وقدم الرؤية المستوحاة من الإسلام الإلهي لها، ولذلك نراه أول كاسري الصنم الفقهي، والمعيد للدين اعتباره خلاف العديد من الفقهاء المسلمين.
يرى الشهيد الصدر واجب منح الإنسان المسلم حقوقا واسعة في مجال حماية بدنه وحرية حركته وإبداء رأيه وعمله السياسي، كما في مجال المساواة وتأمين لقمة العيش.
ينطلق السيد محمد باقر الصدر، على هذا الصعيد، من كون العبودية هي للّه، وكون عبادة الأشخاص محرمة مطلقاً، فعملية الاستخلاف، كما يرى السيد الصدر «تعني أولاً انتماء الجماعة البشرية إلى محور واحد وهو المستخلف، أي اللّه سبحانه وتعالى، الذي استخلفها على الأرض بدلاً من كل الانتماءات الأخرى، والإيمان بسيد واحد ومالك واحد للكون وكل ما فيه».
ومن هنا فإن العلاقات الاجتماعية لا بدّ من أن تقوم على «أساس العبودية المخلصة للّه وتحرير الإنسان من عبودية الأسماء، التي تمثل ألوان الاستغلال والجهل والطاغوت».
وهذا التحرير لا بدّ من أن يتمظهر في ما يتمظهر به في حريات يمثل عليها السيد الشهيد بالمساواة، وحرية الفكر، وحرية‏ إبداء الرأي، وممارسة الشعائر الدينية، والعمل السياسي للمسلمين ولغير المسلمين، ففي هذا يقول السيد الصدر: «وتعني ‏هذه الحقيقة (كون اللّه مصدر السلطات) أن الإنسان حر ولا سيادة لإنسان على إنسان آخر، ولا لطبقة أو لأي مجموعة‏ بشرية عليه، وإنما السيادة للّه وحده، وبهذا يوضع حد نهائي لكل ألوان التحكم وأشكال الاستغلال وسيطرة الإنسان‏ على الإنسان».

أترك تعليقاً

التعليقات