مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لقد اتسع نطاق الخلط بين الحق والباطل، وبين الحقيقة والوهم، وبين الصدق والكذب، وبين الصلاح والفساد، وبين العلم والجهل، إلى الحد الذي أصبحت فيه الأشياء الجميلة باعتبار ما توحي به من دلالة على الرقي والكمال، ونظراً لاشتمال مضامينها لكل معاني القيم النبيلة والأخلاق العظيمة، مفتقرةً إلى القدرة على التأثير في السامع، مهما اجتهد المتكلم في عرضه لها، من حيث اللباقة في الحديث، والتنوع في الأسلوب، وعمق الطرح، وغزارة الأفكار، وذلك بسبب اختفائها عن الواقع المعاش، واكتفائها بالبقاء في عالم الأفكار والتصورات الذهنية، دون أن تسعى للنزول إلى عالم الحس والحركة، فيتلقاها السامع في فكره، في الوقت الذي يجد لها آثاراً ونتائج تعود بالنفع والفائدة على حياته كلها، عندها فقط تزداد قناعته بها رسوخاً، ويزداد بها تمسكاً واطمئناناً، أما وحال كل تلك الأشياء الموحية بالحق، والدالة على أسسه ومناهجه ورموزه هو: البقاء في عالم المُثُل، بحيث لا نجدها إلا في خطاباتنا وندواتنا وبرامجنا وشعاراتنا وأدبياتنا، فإذا ما توجهنا إلى مختلف ميادين الحياة اليومية وجدناها تحتكم لخلاف ما ندعي أننا نتبناه ونؤمن به ونعمل على ضوء ما احتواه من تعاليم وأبعاد ومبادئ، فإن النتيجة ستكون مخيبةً للآمال، إذ سينفر الناس منها، ويسخرون من دعاتها وحملتها، ولربما اتجهوا يوماً ما للوقوف بوجهها ومحاربتها، فتموت كفكرة، لأنها لم تستطع اكتساب مقومات بقائها حيةً، وذلك من خلال الدخول إلى معترك الحياة، وتبني كل ما له علاقة بحياة الناس وشؤونهم المتعددة على كل المستويات.
ولن نذهب بعيداً إذا قلنا: إن من أبرز مظاهر إفقاد الأشياء العظيمة قيمتها في واقعنا اليوم هي:
1. التنافس المحموم من قبل مختلف مؤسسات الدولة على الاحتفاء أو الإحياء للمناسبات الدينية والوطنية، من دون أن يلمس المواطن انعكاسا لتلك المعاني التي ترشد إليها تلك المناسبات في الجانب العملي لهذه المؤسسة أو تلك، فمثلاً تجد وزارة التربية والتعليم، ووزارة الإدارة المحلية، كثيراً ما تقومان بإحياء ذكرى عاشوراء وذكرى الصرخة وكل ذكرى، ولكن أين هما في الواقع العملي؟ وما هي إنجازاتهما في هذه المرحلة؟
2. الشرعنة للجهل، والتشجيع على الحماقة والغوغائية والتفلت، وذلك بمنح الأغبياء والمتبلدين والعاجزين عن فعل شيء؛ المناصب والحظوة والمكانة الرفيعة، مع السعي الحثيث لترميزهم ونمذجتهم، وذلك عن طريق منحهم شهادات عليا عن طريق الجامعات التي أصبحت كالدكاكين، وقد تسنى لي الاطلاع على رسالة دكتوراه لأحد هؤلاء فوجدتها استنساخا لبحثٍ علمي لأحد الباحثين في جمهورية إيران الإسلامية، وقد نشرته مؤسسة نهج البلاغة، في العام ٢٠٠٢م، فقام صاحبنا بسرقته هذا العام، ليُمنح بموجبه شهادة الدكتوراه بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، فهل هكذا يكون بناء الكفاءات والكوادر العلمية والمهنية؟

أترك تعليقاً

التعليقات