احتجاج أمام الجهنميين
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كأني على مقربةٍ من تقبل الخضوع والاستسلام، أمام كل تلك الأشياء والأفكار والألقاب والأسماء والأشكال والأنماط والعادات والأعراف والآداب والفنون والاتجاهات والعلاقات والعقائد التي قضيت معها قرابة سبعة وعشرين عاماً من الصراع والمواجهة الشاملة، في ليلي ونهاري، وصحوي ومنامي، وكنت في كل جولةٍ أخرج منتصراً، على الأقل في ما يتعلق بالجانب المعنوي، والسلامة النفسية، وكان هذا الشعور المليء بالأسرار والمعاجز هو: زادي في الحل والترحال، أثناء رحلتي المريرة، بحثاً عن الذات التي أريد أن أكونها، أو أريد لها أن تصنع وجودي، وتخلق ماهيتي، وبحثاً عن الحقيقة في كل شيء له صلة بالعقيدة والفكر والحركة والسلوك الذي يجب التزامه كقيمة أو مبدأ يعبر عن عمق ارتباطي بهذا الدين، الذي ارتضاه الله لهذه الأمة، وأحاطه بالرعاية والتسديد، ومده بكل المقومات التي تكسبه السمو والسعة والحيوية والكمال.
لقد عشت منذ الطفولة حالة الرفض والتمرد أمام كل ما لا تستريح له الفطرة، ويأباه الذوق السليم، ويتعارض مع العقل الإنساني الحر، وتمقته النفس الزكية، لذلك لم تتقبل نفسي المكوث في مقبرة إخوان الشياطين المتأسلمين، التي استساغها الكثيرون من النشء من زملائي ومعارفي، نتيجة اغترارهم بمظهرها الأنيق، البادي على سوح المدارس في طابور الصباح، وأناشيد الإذاعة المدرسية، كما لم تتقبل إنسانيتي الدخول في حظائر الوهابية التي اكتسحت منطقتنا وما حولها من المناطق والمدن والقرى، وكان كلما حاول والدي دفعي بالإكراه لدخول أحد مراكزها، باعتبارها مظهراً للتوحيد، ازددت لها بغضاً ومقتاً، وتعاظم نفوري وابتعادي عنها، كل ذلك بعقلية الطفل الذي لم يتجاوز الصف الثاني والثالث الابتدائي، لكنها طبيعة النزوع نحو الشيء الأكمل، والسعي للتعلق بكل سامٍ صحيح في روحه ومنطلقه، إلى أن حان الوقت، وانفتح الباب لهذه النفس المعذبة المكلومة، من خلال قراءة كتاب للمفكر المالكي، بعنوان: قراءة في كتب العقائد، ومحاضرات لخطيب المنبر الوائلي، تبثها إذاعة طهران كل مساء، ولقاءات موسمية بطلاب مركز بدر العلمي، وحضور دائم لخطبة الجمعة للشهيد المحطوري، منذ الصف الرابع، فدخلت هذه النفس ساحة العترة، وخاضت مرحلة تشكل وبناء جديدة، عن طريق الدورات الصيفية، إلى أن تبادر إليها صدى صرخة الحسين، وحلق قلبها في سماء نجمه الطالع من قلب الظلمات، ليميط عنها بإشعاعاته ما علق بها من شوائب دروس الأصول، وجفاف علم الكلام، وكوارث أخرى، وكانت ملزمة: مَن نحن ومَن هم أول الغيث، بل أول سقيا الرحمة الذي تلقته هذه النفس في دنيا العذاب المرير.
ومع مرور أكثر من اثني عشر عاماً على تلك الحقبة المليئة بالإشراق والتجدد والعطاء والحركة، إلا أنني مازلت أتمنى العودة إليها، على الرغم من حجم وعظمة كل ما قد تحقق من انتصارات للنهج والخط والحركة، لأنني أرى أنه كلما حاز المنتمون إلى هذا النبع الصافي شيئاً من التراب، فقد معظمهم ما يعادله من عناصر السماء التي عجنت روحه في مراحل الغربة والاستضعاف.
لقد كان كلٌّ منا حريصاً على أخيه في العقيدة، محباً له وللناس جميعاً، يبذل ما بوسعه في سبيل خدمته، وتفريج كربه، أما الآن فقد تحول ذلك الحرص لدى البعض إلى حرص على الكيفية التي يؤذي بها أخاه، وأصبح الحب السابق مورداً للبغض والكراهية، وتحول جانب الخدمة إلى نظام لتعميق المعاناة، وتعزيز حالة الضعف والحرمان، لدى بعضنا البعض.
من هنا يتبين: أن المنهاج الصحيح لا يكفي وحده لضمان استقامة الحياة والواقع، وشيوع العدالة بين الناس، إذ العبرة في النفس التي تدعي حمل ذلك النهج، هل هي حقاً مؤمنة به، أم جهنمية تختفي تحت ردائه إلى حين؟

أترك تعليقاً

التعليقات