اغتيال الآمال
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
عندما تُوضَع الأمور في غير مواضعها، ويتولى القيام بها مَن ليس أهلاً لها، تفقد تلك الأمور معناها وآثارها وجاذبيتها وقيمتها مهما كانت عظمتها، وأياً كان مستوى ارتباطها بقضايا الناس وحاجاتهم وتطلعاتهم في حاضرهم ومستقبلهم، وما من شك أن التأهيل العلمي، والبناء الفكري والمعرفي والأخلاقي اللبنةُ الأساسُ لإيجاد النهضة الشاملة، وتحصيل موجبات امتلاك القوة، وتحقيق التقدم والرقي في جميع المجالات، لاسيما إذا استند هذا الجانب المطلوب لذاته ولغيره إلى كتاب الله سبحانه، واعتمد عليه كأصل منهجي، والتزمه كدين، وتمثله كعبادة، وعاشه كأصل ثابت في رسالته في هذه الحياة، وتعامل معه من واقع إحساسه بضرورة تقوية انتمائه إلى الهوية القادرة على إكسابه معرفةَ ذاته، ليتمكن من الخروج من دائرة الضعف والاستلاب، وليتسلح بالوعي وقوة الإرادة في مواجهة كل التحديات، من هنا لا بد من الوعي بحقيقة: أن المنهج الحق والتوجه الصحيح والقضايا العادلة والثقافات السليمة تحتاج، على الرغم من وضوحها وعمقها وطهر منبعها، إلى مَن يحسن عرضها على الناس، ويجيد تقديمها كما يجب، ما لم فلن يكون وجودها سوى إضافة لكمية مهملة إلى الواقع شأنها شأن الكثير من المعارف والأفكار والنظريات التي زادت الأمة عبر العصور ضياعاً إلى ضياعها.
وجيل المستقبل المتواجد اليوم في مراكزنا الصيفية يستحق منا بذل الجهود، والحرص على اختيار المعلمين الأوسع ثقافة، والأكثر وعياً وتجربةً، لأنها مرحلة التأسيس لهذا الجيل، وأي خلل فيها سيخل بمستقبلنا ويقضي على شخصية صانعيه، فبالله عليكم هل من المعقول أن نأتي بمَن يعرفهم بأئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام، مَن ليس لديه إلا المعرفة الأدنى بكثير من درجة الصفر بالإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وذلك ما شاهده الناس في برنامج صيف الهدى أمس الأول في حلقته الثانية عبر قناة المسيرة، وقد سلط البرنامج الأضواء على مدرسة جامع الشعب، وعلى الرغم من كثرة الملاحظات التي لفتت انتباهي إلا أنني قد اكتفيت بإيراد أشدها إيلاماً، إذ وقف بي مَن اختير لتعليم أبنائنا الشخصيات العظيمة مَن لايزال بحاجة لكي يتعلم قبل أن يُعلم غيره.
وليت شعري لماذا كل هذا الإهمال؟ فمدرسة جامع الشعب في قلب العاصمة، ومع ذلك شاهدنا سوء التقدير والاختيار والتدبير، فكيف بمناطق الريف والمحافظات الأخرى؟ أين المعنيون من كل هذا؟ أم أنهم اكتفوا بإنجاح المراكز الصيفية إعلامياً وتغافلوا عن ضرورة العمل على إنجاحها في الواقع؟ إن مدرسة جامع الشعب اليوم نموذج للكيفية المتبعة في الكثير من مجالات العمل وتحمل المسؤولية، تلك الكيفية التي تغتال آمالنا في مهدها.

أترك تعليقاً

التعليقات