النفوس الثورية بين خيارين
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا - 
بين جموح الثورية الدائمة، والجنوح إلى الحياة الهادئة الطامعة بالاستلقاء على فرش الوداعة والاسترخاء، المتخذة من المصلحة الشخصية والجبن واللامبالاة دثارها، تقف النفسُ، لاسيما عندما يخفت تدريجياً ضوء نجم مرحلة ما، معلناً ابتداءه عملياً بإخلاء موقعه، لكي يتيح المجال لنجم آخر، يعبر عن بداية مرحلة جديدة، على أنقاض مرحلة أو مراحل سابقة، وقد تكون هذه المرحلة الموسومة بالجدة مناقضة لما سبقها، منفصلة عنها، لا تملك أدنى المقومات التي تجعلها في موقع المعبر عن الامتداد للماضي، ولا تستطيع أن تقدم شيئاً يوحي باستيعابها لطبيعة الحاضر، بكل ما فيه من قضايا وإشكالات وتحديات وأوضاع، وليس بوسعها أن تفعل شيئاً لأجل المستقبل، ولا بأس من اتخاذ الماضي المتحرك وسيلةً لتسكين المواجع، وتبديد المخاوف لدى الثائرين، كي لا يشعروا بمدى الاختلاف، وحدية التنافر والتضاد بين ما وعوه وأرادوا له أن يكون، وبين ما قد أصبح كائناً، جاءت به إلى الواقع إرادة وحركة وأفكار وتوجهات وأعمال وأساليب أناسٍ آخرين، لم يكونوا ضمن جسد الثورة حينما انطلقت، ولم يخلقهم الحس والضمير الناتج عنها، ولم يحركهم الدم المتفجر من بين حنايا الخلص من أبنائها، ولم يستقر في نفوسهم وأفكارهم شيءٌ من نهجها، وإنما جاءت بهم المحسوبية، وحركتهم الأنانية، وحكمت مواقفهم وأفكارهم الحاجة، ودفعتهم الغريزة المشحونة بالرغبة أن يصيروا شيئاً يُذكر، إلى جانب حبهم للظهور مع الأقوى، وبجانبه أياً كان جنسه أو عقيدته وأهدافه، وحينما وصلوا إلى بغيتهم رفعوا رأس الحقيقة الذي فصلوه عن سائر الجسد شعاراً على أسنة رماح أعدائها، واتخذوا شيئاً من منطقها الذي فصلوه عن سياقه، ليصنعوا واقعاً لا يحمل لون الحركة، ولا بريق الثورة، وإنما هو حالة اللالون، رمادي البداية والنهاية في كل شيء.
نعم بين هذين التيارين المختلفين تقف النفوس الثورية عبر الزمن، لكي تختار الانضمام إلى أحدهما، فإما البقاء في صحراء الثورة قتالاً وصبراً وثباتاً، لا يعبه بتقلبات الريح، ولا ينهار أمام زحوفات الكثبان الرملية، ولا يستسلم لسراب الماء، فيقضي على حرارة العشق الظامئ لتحقق النجاة، الواقعة على الشاطئ أو الضفة الأخرى، التي لاتزال الطريق إليها مسكونةً بالمخاطر، وإما الانضمام إلى حظيرة أبي موسى، والتمتع بمائدة معاوية، التي تلبس كل الجالسين إليها جبة أبي هريرة، وعروة وكعب الأحبار والزهري، وتدخلهم في قصور ابن عوف، وابن أبي وقاص، وتقسمهم إلى قسمين:
حياديون لا موقف لهم في قضية الصراع الأزلي، ولا أثر لعبادتهم وعلمهم في حياة الناس كابن عمر.
حمقاء مسكونون بوهم التدين الزائف، الذي يظل محافظاً على القشور، مع أنه يعمل على تفريغ الدين من محتواه من الداخل، كالخوارج، الذين قتلوا الدين باسمه، وكفروا بالله في الوقت الذي كانوا يدعون التفرد بالإيمان به، والإخلاص بتوحيده.

أترك تعليقاً

التعليقات