سبيل اللحاق بهم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في حضرة شهيد القدس، وسيد شهداء الحرية والعدالة والنصر والجهاد والمقاومة في هذا العصر، وكل الشهداء الأبرار الذين ارتقوا ويرتقون على طريق القدس؛ كم نخجل من أنفسنا، ولاسيما عندما نقرأ سيرهم، ونتلمس آثارهم، ونسمع أخبارهم، فنقوم بعد ذلك بمقارنة ما فعلوه، ومدى ما أنجزوه في مسارهم صوب التغيير والبناء، مع ما فعلناه نحن، وأنجزناه في ذات السياق، كوننا لانزال متأخرين جداً عن النقطة التي وصلوا إليها في تقدمهم العملي، وارتقائهم الروحي، وكمالهم الإيماني، وبعيدين كل البعد عن اللحاق بهم، وحمل المهمة التي حملوها، لأننا ببساطة نفتقر إلى الآلية التي تؤهلنا لتفهم المنهجية المعبرة عن المشروع كما فهموه واستوعبوه ووعوه وعرفوه وعملوا به هم، كما نفتقر كذلك إلى وجود إرادة حقيقية تدفعنا نحو السعي لاستكمال ما بدأوه، والحفاظ على ما تم تحقيقه على أيديهم، نظراً لانعدام الأسس والدوافع النابعة من دواخلنا، والمعبرة عن تجذر وحضور وفاعلية للعقيدة، التي تصنع الروحية، وتنمي الفكر، وتقوي العزيمة، وتبني الإرادة، وتدفعنا صوب المراجعة والتقييم لأنفسنا وأعمالنا وأفكارنا، من واقع الاستشعار للرقابة الإلهية، وإحساس بحجم المسؤولية التي حملنا الشهداء إياها.
إن حق الشهداء علينا اليوم وغداً وفي كل يوم هو: الحرص على إبقاء المبادئ والقضايا التي ضحوا من أجلها حيةً حاضرةً قويةً ناميةً متجددةً في كل الظروف والأحوال، فهم لم يضحوا إلا في سبيل الحق والعدل، الأمر الذي يحتم علينا الابتعاد عن سبل الباطل كبيرها وصغيرها، والتخلص من كل أحابيل الزيف والمغالطة التي نعتمدها أحياناً لإلهاء أنفسنا، أو إلهاء الآخرين، والمزايدة عليهم، والتوجه الصادق لإقامة القسط بين الناس، ومحاربة الظلم والظالمين، وتبني العدالة بشتى معانيها كسياسة عامة، تُطبق على الكبير قبل الصغير، ويلتزمها المسؤول قبل الموظف العادي أو المواطن.
إن العار كل العار، والخزي كل الخزي سيصبحان رداءً وإزاراً يلبسهما كل مَن يدعي انتماءه لخط ومنهاج الصادقين، في الوقت الذي يجعل من الكذب مأكله ومشربه ومتنفسه، وبضاعته التي يعرضها أمام مجتمعه ليلَ نهار، ويتحدث عن المخلصين في الوقت الذي يتخذ من الرياء مركباً للوصول إلى أعلى المراتب، وبلوغ ما تسول له به نفسه من أهداف وغايات رخيصة ودنيئة على حساب الأهداف السامية، وتحت غطاء الغايات النبيلة، ويكتب عن الذين بذلوا مهجهم، وضحوا بوجودهم المادي والمعنوي في سبيل الله والمستضعفين، في الوقت الذي لا يتوانى عن انتهاك حدود الله، والتعدي على عباده بقولٍ أو فعل، ونهب حقوقهم، والعمل على ظلمهم، إلى جانب التقصير في تقديم الخدمة العامة لهم كما يجب، وحسب الممكن والمتاح، ولا بأس أن يهتم بألوان العبايات، ونوع الحجاب وكيفيته بالنسبة للمرأة، وتغيير تركيبة كراسي الباصات الصغيرة، وتجريم حمل العود، وصوت الغناء، أو وجود الشاب والفتاة بقاعة واحدة في الجامعة، وفرض خروج المرأة بالتدريج من كل دوائر الفعل والإسهام ببناء الواقع، مدعياً أن هذا هو المعنى المعبر عن الهوية والأصالة متناسياً أننا مطالبون بجعل كل امرأة زينب وسكينة وعياً وحضوراً وفاعلية في كل الميادين، وإذا ما وجد ضجةً شعبيةً مقابل ما ينتهجه من سياسات وممارسات، فلا شيء أسهل عليه من الخروج للناس ببيان طويل عريض، ينفي خلاله صدور مثل هذه الأمور من قبله، ويعلن عبره براءته من الذين قاموا بها، ثم مَن سيجرؤ على أن يقول: إنه تلقى التعليمات منه؟ إذ لديه شواهد من الواقع، تبين له كيف فعل هذا وأمثاله مع الموالي والمناصر، والمجاهد الباذل، عندما انتقد، أو نبه، أو حذر في مرحلة من المراحل، وأين أصبح، فما بالك بالمخالف أو المعارض كيف سيتم معاملته؟ وبأي طريقة سيتم التنكيل به؟ لذلك ليس هناك من سبيل سوى أن يدور الجميع مع هذا وأمثاله حيث داروا، دون أن ينبسوا ببنت شفة!

أترك تعليقاً

التعليقات