القلة التي أحببنا
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ما أشد وجعنا! وما أقسى أيامنا! أوكلما أنبتت الروح زهرة أملٍ طالتها سيول الفواجع الجارفة التي لم تتوقف منذ السابع والعشرين من أيلول 2024، يوم أن نعيت الأمة العربية إلى نفسها؛ يوم أن استشهد السيد الأمة (السيد حسن) ثم تتابعت المصائب والنكبات ولم تتوقف حتى اللحظة؟!
ندري أننا لا بد أن نصبر ونصابر ونرابط؛ فهذه الطريق طريق العزة والشرف، طريق النصر والتمكين ولو بعد حين، وأن ما أصابنا في سبيل الله لن يضيع، فسوف يرتد علينا بآثاره العظيمة التي ستمنحنا القوة في اليد والفكر، وتمدنا بوقود من العزم والإرادة لتعزيز ثباتنا في الموقف، والحركة الفاعلة المستمرة على ذات الطريق؛ طريق الخلص، طريق الجهاد والمقاومة، طريق الحرية والوعي والبناء، طريق الفوز والفلاح. ولكن جل ما نخشاه هو: عدم وجود الحملة لهذا النور؛ عدم تحويل كل هذه الدماء والأشلاء إلى أفكار تحيي موات أرواحنا، وتزيل من قلوبنا الوهن، وتعصمنا من الضلال والانحراف والظلم والفساد.
ما أود قوله هو: إن كل ما قدمته من تضحيات، وكابدته من آلام، وطويته من مسافات في درب الجهاد والاستشهاد، وحققته من انتصارات جزئية، وأحرزته من تقدم ومنجزات في ميدان امتلاك القوة القتالية؛ بحاجة إلى قوة رديفة؛ قوة تستطيع تحويل كل ما تم حدوثه من قفزات ونكسات، وما رافق ذلك من دم ودموع وأرباح وخسائر إلى أفكار تصنع تحولاً في كل شيء من حولك؛ باعتبار أنك لن تتخذ قراراً، ولن تقوم بخطوة إلى الأمام إلا بالاستناد إلى رصيدك القيمي الكبير هذا، الذي يجعلك صاحب بصيرة، وذو نباهة ودين وخلق، وقبل هذا وبعده؛ إنسان يعي لماذا جاء، ويدرك حجم ما يجب فعله، وما الذي يعنيه وجوده في مقام المسؤولية المكلف بأدائها. وهذا كله لن يتم إلا بوجود الأقلام الحرة الشريفة، ذات الوعي والبصيرة، الناظرة دوماً إلى ما هو أبعد من الحاضر، الثابتة على الحق، المؤمنة بأن صاحب القلم هو بحق: وارث الأنبياء والرسل، وحامل نور الله إلى البشرية.
وهنا دعونا نكاشف أنفسنا: هل صنعنا هكذا مناخ؟ هل أوجدنا الأرضية الصالحة لوجود هكذا أقلام؟ هل حافظنا على القلة الواعية المستبصرة التي لا يتجاوز أفرادها أصابع اليد، وأتحنا لهم المجال لإيجاد المقومات الكفيلة ببناء جبهة إعلامية بمستوى الإنجاز العسكري، والتحول الثوري، قادرة على أن تربي وتعلم الآلاف ليكونوا الحملة للفكرة، والفاتحين للقلوب والعقول عبر الزمن؟ أم أننا حاربناهم، وأقصيناهم، وشواهناهم، واعتبرناهم منافقين وأصحاب مشاريع وأجندة هدامة؟ ألم نقدم المهرجين والمنكتين والغوغائيين والمعقدين وقاصري الفكر وعديمي الوعي البعيدين كل البعد عن الثقافة والإعلام عليهم؟
كل هذا حدث ويحدث؛ لذلك بتنا نفزع أيما فزع كلما سمعنا بمرض أحد هؤلاء القلة، وبودنا أن نحميهم ونحوطهم بحدقات العيون. وقد كان خبر إصابة خليل العمري بجلطة أواخر الأسبوع الفائت أشد على مسامعي من فقدان أحد أولادي؛ لسبب وحيد هو: أن خليل وأمثاله هم أملنا في بقاء الثورة طاهرة نقية في ساحة الفكر والكلمة.
نعم؛ خليل العمري واحدٌ من الأقلام الحرة القليلة، التي آمنت بدورها وقضيتها، وعاشت مخلصة لرسالتها.
وهي أقلام انحازت للشعب، وحملت همه، وانتصرت للثورة والوطن في مواجهة العدو الخارجي، والفساد الداخلي.
إن محبتنا لخليل وأمثاله؛ وهم قلة: تجعلنا على استعداد أن نفديهم بأرواحنا!
لأن غياب أحدهم يعني: اتساع دوائر الوجود للكذبة والمطبلين والمهرجين، والعقول الفارغة، والأدعياء، والبائعين أقلامهم لمَن يدفع أكثر، ولاعقي الأحذية، وماسحي أجواخ الساسة على الدوام، والمجبولة نفوسهم على الخضوع والطاعة لكل ذي جاه ومنصب.
فيا رب: مُن عليه بالعافية، بحق كل دمعة وقطرة دم سالتا على ثرى هذا الوطن الحزين البائس.

أترك تعليقاً

التعليقات