اليمنيون بين بَلوَيَين
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
انتحبي أيتها الحروف المكونة من دخان شقشقةِ نيرانٍ شوت الفؤاد، نيران اتخذت من آمالنا الغضة الطرية النامية بين جوانحنا حطباً لها، نيران أوشك أن يجف كل ما لدينا من ماء جارٍ في أعماقنا بالأماني والأحلام بغدٍ أفضل، نتيجة تنامي هذه النيران واتساعها وتمددها حركةً وآثاراً، نيران كادت طموحاتنا أن تختنق إزاءها، نيران تلفح حرارتها الملتهبة أصابع يد فجر الوعد بالتمكين، كلما امتدت لهدهدة نفوسنا المقيدة في قعر ظلمات الماضي، والمضروب حولها الآلاف من الكوابح والسياجات والأسوار من جهالات وحماقات الحاضر، والتي تعاقدت في ما بينها على: العمل في سبيل تأبيد حالة شعورنا بالضياع في متاهات لا تحصى ولا تُعد من سفاسف الأشياء وصغائر الأمور، بحيث نبقى نراوح مكاننا، فلا ثورة تستكمل مساراتها وأهدافها، ولا إنسان يبنى بالمستوى الذي يتطلبه السعي لبناء الوطن الذي يرتجيه وينشده كل الأحرار، إذ بلينا كيمنيين في الماضي بأنظمة تافهة ورخيصة وساقطة، جعلت من عمالتها للأجنبي المستكبر وأدواته في المنطقة غايتها، فسخرت كل شيء لخدمة تلك الغاية، أنظمة لم تنجز شيئاً طوال نصف قرن، باستثناء الشيء الوحيد الذي تم إنجازه وهو: القضاء على الإنسان القيمة الخلقية، والمبادئ العقدية، والعادات والأعراف المجتمعية، ليقضى بذلك على الإنسان كوجود مجتمعي في إطار وطن اسمه اليمن، كما يقضى على الدولة ككيان سياسي وإدارة وفكر وثقافة ونظم ولوائح... وغيرها من الأسس والمقومات، وبلينا في الحاضر: بشخصيات تسلقية متطفلة، استطاعت القفز إلى أعلى، ولكي تظهر أمام الرأي العام كمعبر عن الثورة، وكنموذج لعصارة ما احتوته بين طياتها من رجال وأبطال، عملت على عزل وتهميش وتنحية وتشويه كل شخص ترى فيه إخلاصا للأهداف الثورية، وعزيمة في السعي لتحقيقها، وسعة أفق في تطبيق وفهم واستيعاب منهجيتها وأدبياتها، وقدرة على مواكبة المستجدات وضبط مسار الحركة خلالها، بما يضمن الاحتفاظ بروحية النهج، ويحقق البقاء لثوب وجسد وعقل وقلب الثورة طاهراً نقياً خالياً من كل شائبة.
لقد بات واقعنا مع هذه الشخصيات عديمة الفهم، محدودة التفكير، قليلة التدبير، غليظة الطباع، حادة القول أقرب ما يكون لواقع أمانة العاصمة صنعاء مع مواسم الأمطار، إذ سرعان ما تتحول نعمة الغيث النازل بالرحمة الإلهية والخير على العباد والبلاد إلى بلاء مصحوب بالكوارث والمآسي المتواردة تباعاً على رؤوس ساكنيها في بيوتهم وطرقاتهم، ونقمة يتجه الجميع للاستعاذة بالله من شرورها، كل ذلك عائدٌ إلى عشوائية البناء، المفتقر لأبسط معايير التخطيط الهندسي، الذي يضع نصب عينيه مسألة وجود حواجز لمياه الأمطار، وقنوات تصريف للفائض منها، بحيث يكون لموسم الغيث أثر ومردود يعود بالنفع للأرض والإنسان، وهكذا يتكرر المشهد ذاته حاملاً إليك الصورة نفسها، ولكن هذه المرة ستختلف المواد من حيث النوع، ولكن مع بقاء النتيجة والعاقبة نفسها، فالغيث هنا هو: توجيهات ونصائح ورؤى القائد سيد القول والفعل أبو جبريل، الذي يطل علينا بسحائبه المثقلة بكل ما من شأنه أن يحقق لنا القوة والنماء والسعادة والصلاح، والرقي والتقدم والفلاح في مختلف شؤون الحياة، ولكن ثمة نفوسا خربة، وإرادات مهزوزة، وعقليات وقلوبا مريضة، هي التي تتولى العمل على محورة كل ما يجود به سيد الثورة حفظه الله، إلى سياسات وخطط وبرامج عملية، ولكونها كشخصيات طفيلية في جسد الثورة لا تحظى بما يمكنها من ترجمة ذلك الهدى كما يجب، وبما يريك قيمة النظرية في مقام التطبيق، ويبين لك مقتضى ما يعبر عن كمال الإيمان من خلال سداد القول واستقامة الحركة واستمرارية العمل، فإنها لا تريك تلك المعاني الرسالية، والمباني القرآنية إلا وقد أحنت ظهرها، وبترت ساقيها، وأصابتها بكل مظاهر العجز والشيخوخة، وحملتها ما لا يحصى من الإيحاءات التي تقوم بتفريغها من محتواها، لتصبح متناسبة مع حالة الفشل التي تعيشها، وقابلة للتقصير والتطويل والحذف والزيادة تبعاً لما يقتضيه اختلاف المقاس في الطول والقصر بين كل واحدة وأخرى من هذه الشخصيات، التي هي في الأصل وعاء مثقوب، فإذا ما عولنا عليها بفعل شيء لخدمة المشروع والثورة والمجتمع، فإننا بكل بساطة قد حكمنا على أنفسنا وثورتنا ومشروعنا بالموت.

أترك تعليقاً

التعليقات