21 أيلول ثورة أحيتنا لا ذكرى نحييها
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -

بحلول ذكرى فجر انتصارها وصبح قيامتها وإشراقة شمس أزليتها تطل ثورة الـ21 من أيلول/ سبتمبر بحلتها السادسة كي يبقى يومها اليوم الذي تولد منه كل الأيام، ويصير زمن حدوثها القانون الذي تسير عليه كل الأزمان، ويصبح إنسانها هو الساعي أبداً في الحفاظ على إنسانية كل إنسان أظلته السماء وأقله الثرى.
لا أقول ذلك من باب النزوع إلى الخيال أو الانجذاب لمزاج الشاعرية المرصعة بالأحاسيس المجردة التي تعمل على تشكيل الإنسان بغير شكله، وتذييته خارج نطاق ذاته، وبالتالي ينسلخ عن مبادئه ويتجرد من قيمه ويتنازل عن حقه ويجهل غاية وجوده ويضرب صفحاً عن الهدف من خلق الله له.
بل أقول ذلك بناءً على وعي بمعطيات عقلية تمثلتها ثورتنا، وبناءً على شمولية رسالية حددت وجهتنا، ومعايير إلهية قويت بها إرادتنا وصنعنا بها قوتنا والتزمناها خطاً في تأكيد معاني إنسانيتنا والحفاظ على كرامتنا وإثبات حريتنا أمام الاستكبار العالمي الذي استرق كثيراً من الأمم واستعبد كثيراً من المجتمعات، فخضعت أمام بطشه رقاب وطارت من فرط غروره وقوته ألباب.
فحين استوى الأمر للمستكبرين ولوّح الشيطان الأكبر للعالمين بكلتا يديه العابثتين بالكرة الأرضية الحاطة من شأن الآدمية والمفسدة للبشرية جمعاً، تلكم اليدين اللتين لوحتا بشيئين مختلفين يوصلان للنتيجة الواحدة القائمة بموجبها سياسة القطب الواحد، فيد تحمل العصا وأي عصا؟! إنها تلك التي شهدنا أثرها عندما وجدنا مجاميع من الشعوب وثلة بعد ثلة من الأنظمة وهي تدب على أربع خشية أن تصاب بلفحة هذه العصا...
ووجدنا كماً هائلاً من الناس يجثون على ركبهم طمعاً بنيل شيء من الجزرة التي تحملها أمريكا. والعجيب أنهم إلى الآن لم ينالوا شيئاً، مع العلم بأنهم قد استنفدوا ماء وجوههم وأسالوا لعابهم وأباحوا شرفهم وتنازلوا عن كل ما يعبر عنهم وخانوا دينهم وباعوا مقدساتهم وتآمروا على أمتهم.
حين كان هذا هو الحال حلت البشرى وأقبل السعد وعم النور الذي تجلى بحسين العصر وقرين الذكر الشهيد القائد الصادع بالحق والقائل بالصدق والموضح للنهج، الذي بدد بصرخته ضلل الظلمات الجاهلية وأصلح بكلماته الأمة المحمدية وأحيا بدمه الروحية القرآنية، فخرجت من أجداث الضلال أمة تسير بإيمان إلى ربها آخذةً بيد المجتمع في درب الهداية ومانعة عنه بوادر كل غواية، حتى دنا الوعد الإلهي بالنصر المحفوف بأنفاس أبي جبريل الذي كان الشعب كيانه قبل أن يصبح كوناً يشهد بانبثاق وإشراق شمس حريته من سنا نور جبين قائد ثورته السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله).
لم تكن ثورة 21 أيلول/ سبتمبر ثورة استبدال نظام بنظام، ولا ثورة إحلال حكم أو سلطة سياسية محل حكم وسلطة أخرى تمت إزالتهما، بل كانت ولا تزال هي الثورة الشاملة لكل ما له علاقة بالإنسان، في جانبه الفكري والثقافي والروحي والوجداني والقيمي والاعتقادي والسلوكي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
وعليه فلا بد من تمثلها بكل أبعادها، وتجسيد كل معانيها، والعمل على تحقيق كل مقاصدها. ولا بد من الحرص كل الحرص على تدعيم بقاء الديناميكية والحركية المؤكدة لدوام استمرارية سيرها، تلك الاستمرارية لتتمكن من إيجاد قوى ثورية على وعي عال وفهم دقيق واستيعاب شامل لكل المنهجية التي قامت بموجبها ثورتنا المباركة، ومن خلالها تنضبط المسارات وتصحح الاختلالات، وتعمم مفهوم الثورة وروحها في كل المجتمع، ليقف الجميع في خندق الثورة حارساً أميناً لكل مكتسباتها. عندها لن تتمكن أي قوة من قتل هذه الثورة واقتلاع زروعها، سواء استخدمت في سبيل تحقيق القضاء عليها القوة الخشنة أم انطلقت بأسلوب آخر وأسلحة خفية تقتل لكن دون صوت ولا دمار ولا نزف دماء ولا تطاير أشلاء.
تلك الأشياء التي تحول الحركة إلى نظام، والثورة إلى سلطة جامدة، آثرت فنادق الغفلة وأماكن الراحة بمعزل عن واقع الناس ووضع الساحة. وهنا يصبح الاحتجاب في قصور الفخامة والمكوث في مكاتب التنظير سهماً يغتال التنوير وقلماً يعلم الجهل، وعقلاً يعمل للثروة حتى وإن قدم الثوار وثورتهم قرباناً لكي يبلغ ما يرجوه وينال ما يريد.



أترك تعليقاً

التعليقات