هذا ما ابتلينا به عادةً
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
فـي كل قضيةٍ نعيشها أو حدثٍ يمر بنا الكثير من العوامل التي تمكننا من معرفة أنفسنا على حقيقتها، وخصوصاً تلك الأحداث والقضايا التي يُعدُّ وجودها بمثابة امتحان عملي لنا، إذ لا يمكن لأي فردٍ أن يمر عليها مرور الكرام، طالما ظل يعيش حرارة الانتماء لدين وأمة وأرض، ويدرك ما معنى أن يكون حاملاً لمشروع ومدافعاً عن قضية عادلة، ومعنياً بحماية ثورةٍ ومدركاً لضرورة السعي المستمر حتى تحقيق جميع أهدافها.
فجميعنا، ولاسيما الكتاب والإعلاميين والمثقفين والعلماء، يدعي بأن هذه الأمور من المسلمات لديه، والتي لا مجال للتساهل مع كل ما يحاول النيل منها، كما يستحيل التنازل عنها أو القبول بأن نساوم عليها، ولكن لا بد لهذا الادعاء من أن ينتقل من مرحلة الإقرار البياني إلى مرحلة التجسيد العملي، وهنا يأتي دور القضايا والأحداث، التي تضعنا وجهاً لوجه مع الواقع الذي يصبح هو المرآة التي نكتشف من خلالها مدى القرب أو البعد بين ما نعتقده ونتمثله في قرارات أنفسنا وبين ما ندعيه من الحقيقة التي يعبر عنها مشروعنا القائم وفق هدى الله؟
وبناءً على ما تقدم، يمكننا طرح السؤال التالي على أنفسنا: هل فعلاً استطعنا صياغة أفكارنا وبناء ردات فعلنا، وإيجاد محددات لنظرتنا إلى الأشياء وحكمنا عليها وفق ما يقرره القرآن الكريم؟ أم أننا لانزال نعيش الازدواجية؟
والحق أن الجواب صادم للغاية! فنحن لا نعيش حالة انسجام دائم مع النهج الذي نحمل؛ ولكن بإمكاننا في حالة انعدام الإشكالات والاهتزازات والأخطاء في العمل والممارسة لأداء المسؤولية، أن نعزز علاقتنا به، إلى الدرجة التي نصل من خلالها حد التماهي معه والذوبان فيه، ولكن متى ما وُجدت الاختلالات والأخطاء والتجاوزات، وشعرنا بوجود عيون تتربص بنا وأياد تعمل على استهدافنا، انسلخنا عنه، وحاولنا توظيف بعض مفرداته لتبرير كل السلبيات ومظاهر الفشل لبعض الشخصيات، وتردي الخدمات.
ولو أننا ارتبطنا بالقرآن ارتباط يقيني أساسه الوعي والمعرفة، ونظرنا نظرة المعتبر لكل التجارب الإنسانية العظيمة حاضراً وماضياً، لأدركنا أن أعظم الخطوات والتحولات الاستراتيجية في جانب المسؤولية القيادية والإدارية تمت على أيدي أناس بسطاء في الأرض عظماء عند الله تميزوا بالثقة والعلم ثم تحركوا أقوياء لا يحملهم المنصب بل هم من يحملونه بكل مسؤولية وأمانة كمبدأ ديني وواجب وطني وموقف إنساني.
ومادام ونحن نتحرك على ضوء هدى الله، فكيف غفلنا عن كلام العزيز الحكيم، وهو بنظرنا أصدق الكلام وأثبته؟! أعني ذاك الذي يحوي بين طياته كثير من القواعد العظيمة المتعلقة بالجانب الإداري، ولماذا تجاهلها خبراء الإدارة ومتخذو القرار مع أنها أساس الكفاءة المهنية لأي عمل؟!
ولعل أولها قوله تعالى: «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين». وثانيها ما عبر عنه قوله سبحانه: «قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ».
ويمكننا التعرف على هاتين القاعدتين من خلال الاستيحاء من مفهوم الآيتين في بعدهما الحركي التالي: إن القوة والأمانة هما قواعد أساسية للنجاح العملي في أي مهمة، يعززهما العلم كما جاء في الآية الكريمة الثانية. كما أن القوة إذا لم تدر بمنهج العدل وتقونن وتوجه بالأمانة كي تصبح قوة خير لا قوة شر تتحول إلى بطش وخبط عشواء ظالمة.
وهكذا يصبح مفهوم القوة لدى المسؤول منضبطا بضوابط الأمانة، الأمر الذي يجعل من معنى القوة لديه لا ينحصر بالحزم والجرأة في الحق فقط، بل يفتح عقله على المفهوم الأعم والأوسع للقوة، فيصير هو الذي يترفع عن خيانة الأمانة وسوء استخدام السلطة، ويكون قادرا على القفز فوق سقطات المصالح الخاصة، والعلاقات الشخصية وينزه نفسه عن كل التوجهات العصبية والمناطقية والطائفية إلى ما فيه خير الناس وحفظ حقوقهم ومصالحهم المؤتمنة لديه.
ونحن عادةً ما ابتلينا بالمسؤول الضعيف، الذي هو بالمقابل غير أمين بالضرورة، فوقوعه تحت حماية قطعان المنتفعين الذين يميلون وجوههم شطره يجعله لا يقوى على إصلاح خطأ، ولا يجسر على دفع مظلمة، أو نصرة مظلوم، وكيف يفعل هذا وهو واقع تحت سيطرة ثعالب المناصب، لا يسمع إلا لهم، ولا يقبل نقداً أو نصحاً إلا منهم؟!

أترك تعليقاً

التعليقات