عذرا رسولنا
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
عذرا يا رسول الله.. خذلناك ولم نكن بعدك «أمة تباهي بها بين الأمم».. صرنا في حكم العدم.. غثاء يتجرع الألم، مشهورين بذل الخدم، والتخلف عن ركب التقدم، والتعايش مع السدم، والتآلف مع شعور المنهزم، وتسول السلام ووأد السلم!
عذرا يا رسول الله.. إن تخلت أمتك عن خلقك العظيم، وجهلت نهجك القويم، وشُغلت بالقشور وكل ما هو عديم، وتاهت في سفور جالبات كل وخيم، واستسلمت لغي كل ما هو ذميم، وحُصرت في سفاسف الأمور التي لا تحبها ولا يحبها الله!
عذرا يا رسول الله.. إن انبهرت أمتك ببهرج الدنيا وانصرفت عن جوهر الدين، وصارت من الغفلة والفرقة والذلة ما يندى له الجبين، فحضر المسلمون اليوم بتعداد يناهز المليار، وغاب الإسلام لله والاستسلام لجلاله والتسليم بسلامه!
عذرا يا رسول الله.. إن بدد البعض منا -ولا يزال- عزيمة أمتك، وأثبط همتها، وقيد طاقاتها، وطبعها على استمراء التواكل بزعم التوكل، والمهانة بزعم المسايرة، والخيانة بزعم السياسة، والعمالة بزعم النجابة والنفاق بزعم المجاملة، والكذب بزعم المخارجة، والرشوة بزعم المكافأة، والسرقة بزعم الحذاقة!
عذرا يا رسول الله.. إن تسبب البعض منا -ولا يزال- في إحالة رسالتك المشرفة، وسيرتك المنزهة ومسيرتك المطهرة، من نعمة إلى نقمة، ومن رحمة إلى قسوة، ومن عدالة إلى مضامة، ومن منحة حياة إلى محنة وفاة، ومن سماحة إلى مناحة!
عذرا يا رسول الله.. إن اتخذ البعض منا -ولايزال- من سيرتك مطية لنيل مآربهم، تصحيفاً وتحويراً، وتحريفاً وتزويراً، وحصروا مقامك الرفيع -بهتاناً- في «قيادة الغزوات وتعدد الزوجات ونكاح الصغيرات»، ليبرروا فقط حبهم للشهوات!
عذرا يا رسول الله.. إن صورك البعض منا -ولايزال- على غير حقيقتك، وقدمك بفكره وطبعه ونهجه، إلى العالم: غليظاً فظاً، غازياً سابياً، مستبداً بالسيف، وداعياً بالويل والثبور والهلاك على مخالفيك.. حاشاك عما يأفكون!
عذرا يا رسول الله.. إن حجر البعض منا -ولايزال- على فريضة إعمال العقل حراً، وأبدلوها بفرية امتثال الجهل قسراً، ومنعوا عبادات التدبر والتفكر والتفكير والتأمل والتيسير والتعمير، وقمعوها بجنايات التحجر والتنكر والتغرير والتكفير والتفجير والتدمير!
عذرا يا رسول الله.. لكل ما سلف، فرسالتك المشرفة، ودعوتك المنزهة، وسيرتك المطهرة، ومسيرتك المشرقة؛ لا تشبههم وليس فيها كذب أو دجل، ولا خيانة أو عمالة، ولا بشاعة أو خساسة، ولا تجارة بآيات الله ودينه الحنيف!
عذرا يا رسول الله.. لست أبداً تجيز سفك الدم، ولا تقر قتل العزل أو ترويعهم أو حتى إفزاع النائم، وتنهى عن كسر غصن شجرة أو قلع غرسة أو إفساد مصلحة، ولا تحل الغدر أو نحر الأسرى، أو الجهاد بمال حرام أو حتى أخذ بوجه الحياء!
عذرا يا رسول الله.. إن جعل منك البعض منا مادة للمماحكات السياسية، والمناكفات الحزبية، والمكايدات الشخصية، والمهاترات الإعلامية، وصاروا يحرضون ضد الاحتفال بذكرى مولدك الشريف ويحقرون داعيه ويزدرون دافعه!
عذرا يا رسول الله.. إن أفتى البعض منا رغم زعمهم أنهم «ورثتك»، ببدعة الاحتفال بذكراك، والاحتفاء بسيرتك، والاستدعاء لمسيرتك، والإحياء لرحمة بعثك للعالمين، والإحياء لخلقك العظيم، والاهتداء بنهجك القويم، والاقتداء بهديك!
عذرا يا رسول الله.. إن ضجت خطابات البعض منا حيال استدعاء ذكراك يوم ولدت ويوم بعثت ويوم هاجرت ويوم أتممت رسالتك ويوم مت، واستحضارك قدوة وأسوة، مربياً ومعلماً وقائداً، ولجت ألسنتهم بأنه «بدعة» وأن «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»!
عذرا يا رسول الله.. إن استكثر بعضنا عليك الاحتفال بذكرى مولدك واستنكر على أمتك الاحتفاء بها، واستكبر على محبيك، وأنكر حتى الرمز إليك بلون الحياة والسلام، الأخضر، ولم يستنكر زعم سواد رايتك، وأنت النور والضياء للعالمين!
عذرا يا رسول الله.. أن كثيراً من المسلمين ليسوا منك أو منا، وتجاوزوا «الغش» الذي برئت منه ومن أصحابه، إلى الفحش في الكذب والدجل والخداع والفجور في الخصومة، والادعاء والافتراء، وإتيان ما نهيت عنه ومخالفة ما أمرت به، وانتهاك الحرمات كافة!
عذرا يا رسول الله.. فما أنت إلا «بشير ونذير» ولست «عليهم بوكيل» ولا أرسلت «عليهم حفيظاً» فما عليك «إلا البلاغ»، وقال ربك على لسانك «لكم دينكم ولي دين».. لكن بعضنا أنكروا ذلك ونصبوا أنفسهم وكلاء لله في دينه وأوصياء على خلقه!
عذرا يا رسول الله.. فاحتفالنا لا يزيدك شيئاً ومقامك الرفيع لا يحتاجه، بل نحن أمتك من تحتاج للاحتفاء بك، بسيرتك، ومسيرتك، ورسالتك ودعوتك. تحتاج أن تعرف أن ما تراه وما تسمعه، ليس منك، ولم تأت به، ولا قلت به، ولست ترضى عنه.
عذرا يا رسول الله.. فالأمة تائهة، ممزقة وخائرة، وتحتاج استعادة هداك، والتأسي بك لا بالمظهر والملبس، بل بالمضمون والجوهر، بالسلوك الحسن وطيب المعاملة، وأول ذلك: الصدق، والأمانة، والمروءة والنخوة، والشهامة والشجاعة.
عذراً يا رسول الله.. تحتاج أمتك أن تستعيد معنى العفة والرفعة، والحكمة والرحمة، والمودة والطيبة، والعزة والكرامة، وغيرها من سجاياك التي جعلت الناس لا ينفضون من حولك، ونشرت دين الله في أصقاع أرضه، قبل أن يفشل المسلمون من بعدك في الحفاظ على جوهره والتمسك بمقاصده، والحفاظ على انتشاره واعتناقه حباً واقتناعاً وامتثاله قولاً وعملاً، ظاهراً وباطناً.
لهذا وغيره، نحن نفتقدك، يا حبيبي رسول الله وإمامي ووليي وشفيعي.. نحتاج إليك اليوم أكثر من أي وقت مضى.

* سبق نشره بتاريخ: 3 يناير 2015.. واستدعت المناسبة إعادة نشره.

أترك تعليقاً

التعليقات