بأس يتجدد
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يكمن الإنجاز في قهر الإعجاز. ما حدث في صنعاء مع المطار ليس كل شيء، وسيحدث -بإذن الله- مع كل ما طاله الدمار. يظل الأهم امتلاك القرار، وبوجود الإرادة وجودة الإدارة، كل شيء ممكن بطاعة الله وعونه. ولا استقلال قرار أو سيادة، من دون الأخذ بأسباب العِزّة والكرامة.
تلك خلاصة التمكن -بعون الله- خلال 10 أيام، من ترميم معظم الأضرار وإعادة جاهزية المطار. صحيح لم يكتمل إصلاح كل ما طاله الدمار، لكنه إنجاز بدد نشوة الإجهاز. فاجأ كثيرين يعتنقون قناعة «يوم الدولة بسنة»، وباغت كثيرين ظلوا ينعتون سلطات اليمن الحر بأنها «تدمر ولا تعمر»!...
لم يتوقع كثيرون إعلان جهوزية مطار صنعاء لاستئناف نشاطه، خلال 10 أيام، وبصورة أكبر المتشفين والمتباكين على «مكاسب 60 عاما»، من دون أن يخجلوا من ضآلة «المكاسب» قياسا بالمدة الزمنية «60 عاماً»، على نحو جعل بُنى البلاد التحتية، دون مستوى الاحتياج!
شخصيا، أملت لو أني كنت أجيد حرفة فنية، في البناء أو الطلاء أو الكهرباء وأي حرفة من حرف البناء. لكنت تطوعت للمشاركة في أعمال ترميم وإصلاح مرافق مطار صنعاء، من دون أي أجر أو مطلب، عدا تأمين الوجبات الثلاث ومكان للنوم ساعات، قبل معاودة العمل، التحدي.
لن تظل مرافق وواجهة المطار، كما هي الآن. مؤكد ستتواصل أعمال ترميمها لتغدو أبهى مما كانت قبل العدوان «الإسرائيلي». هذا ممكن جدا، بوجود إرادة شعب، طوع تضاريسه وطبعته بصلادة الصخور وصلابة الحديد وطموح التلال وشموخ الجبال ورفعة القمم، وجعلته أهلا للتحدي.
تحضرني هنا، انطباعات عميقة، لزوار اليمن. كنت أحرص على لقاء ما استطعت منهم أثناء جولات أنفذها نهاية كل أسبوع، لكتابة مواد صحافية ذات علاقة بالثقافة ومفردات الحضارة اليمنية. كانت انطباعات الآخرين عنا، حافزا لي لمواصلة استكشاف وإنعاش ما ذبل وإحياء ما قُتل من قيم وهمم.
قال لي أحدهم: «لو استمر اليمنيون بهذه الهمة والعزيمة، والدقة والحرفية، لكانوا أول من وطأ سطح القمر»! كان هذا حرفيا، رد سائح فرنسي، التقيت به قبل عشرين عاما، في قرية القابل بوادي ظهر. حين سألته: ما أكثر ما لفت نظرك هنا وأثار اهتمامك واستحق إعجابك؟
ابتسم الرجل الخمسيني، واتجه بعينيه وقد اتسعتا من الانبهار كشرفتي مسرح أزيح عنهما الستار، صوب دار الحجر، وقال: هذه التحفة المعمارية! سألته: ما اللافت لك في هذا المعمار؟ فأجاب: علاوة على بنائه المتين والبديع فوق صخرة، هندسته المعمارية وتوخيها نفاذ الضوء لجميع أرجائه.
سائح آخر، التقيته في سائلة مدينة صنعاء القديمة، بإحدى جولاتي الأسبوعية للقاء السياح. كان ألمانياً، وكانت إجابته مبهرة لي، أضاءت عيني بحساسية التأمل، وبددت عتمة اعتياد الأشياء. قال: «لدينا في برلين مجسم معماري بارز يسمى قوس النصر، ولديكم في صنعاء عشرة آلاف مجسم»!
انطباعات كثيرة، تتقد بالدهشة نفسها، وجدتها لدى سياح ما بعد سن التقاعد، لا سياح الاستخبار من دارسي «الأنثروبولوجيا» أو ما يسمى «الاستشراق». جميعها ظلت تؤكد لي بأس الإنسان اليمني في تحدي قسوة تضاريسه وتوهجه الفكري بفعل قلقه الوجودي، لافتقاده مصادر مياه دائمة، كالبحيرات أو الأنهار.
لا غرابة، فقصص القرآن ومآثر الزمان، تؤكد أن اليمنيين، جبلهم الله على علو الهمة والهامة، وآتاهم الحكمة والإرادة، فابتكروا الأبجدية (المسند) وراكموا المعرفة، وتوارثوا الخبرة، وصقلوا المقدرة، واتخذوا الجبال أيكة وشيدوا مدنا لم يخلق مثلها، حتى وصفهم سبحانه على لسان ملأ سبأ: «أولو قوة وأولو بأس شديد».
ويبقى الثابت هنا، أن اليمنيين قد أفاقوا من غيبوبتهم، وبدأوا استعادة أمجادهم، بالعودة إلى أسبابها، بدءا من إيمانهم الأصيل واستقلال القرار والإرادة والإدارة، والتحرر من الهيمنة والوصاية، وإحياء ملكاتهم الفريدة في الزراعة والصناعة، على طريق تحقيق الكفاية، وتبعا العزة والكرامة، والريادة والسيادة.

أترك تعليقاً

التعليقات