محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
خلال الجلسة المنعقدة مساء الثلاثاء الفائت 24 أكتوبر، والمخصصة لمناقشة تداعيات الحرب المشتعلة ما بين العدو الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية، بدا المندوب الدائم لجمهورية البرازيل ورئيس الدورة الحالية لمجلس الأمن الدولي أكثـر عروبة وأريحية ربما من أنصاف العرب، وذلك بالنظر إلى المنحى التشخيصي الذي حفلت به كلمته إزاء الصراع الراهن والتي اتسمت بطرح موضوعي ملهم ونادر الحدوث في مثل هذه المواقف من قبل حكومات غربية ونصرانية، حينما أشار وبشكل صريح إلى أن استعار حمى الكراهية الصهيونية والغربية عموما حيال الإسلام والعرب والمسلمين وكذا إيغال الكيان الصهيوني في بناء واستحداث المزيد من المستوطنات وإيغاله في ارتكاب أعمال العسف والإرهاب الرسمي المنظم ضد فلسطينيي الداخل..
أمور تعد في مجملها من أبرز البواعث الرئيسية وراء توالي نشوب الحروب والمواجهات وتنامي عوامل عدم الاستقرار في المنطقة، والمقوضة في الوقت ذاته لكل سبل السلام المتاحة عبر حل الدولتين المقترح على أساس حدود العام 1967، في تلميح أكيد، وإن كان مبطنا نوعا ما، إلى حقيقة كون هجمات حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، عموما، تعد في الواقع نتاجا حتميا للغطرسة «الإسرائيلية» التي ينبغي أن تتوقف فورا.
ونوه في كلمته تلك إلى أهمية أن تذعن «إسرائيل» إلى حقوق العرب واحترامها عبر التوقف الفوري عن إنتاج أسباب الاحتقان القومي لدى الفلسطينيبن من جهة، والمباشرة من جهة أخرى في إزالة المستوطنات المستحدثة في العمق الفلسطيني، والشروع في الدخول بمفاوضات جادة وبإشراف أممي لحل القضية الفلسطينية بشكل نهائي وعادل وفقا لقرارات الشرعية الدولية.
وبالطبع، فإن كل ما ورد في كلمة المندوب البرازيلي الدائم كان مبعث رفض وامتعاض الكيان وحاضنته الرئيسية أيضاً (أمريكا) وهو الامتعاض وعدم الرضا الصهيوأمريكي الذي تمخض في نهاية جلسة يوم الثلاثاء الفائت باستخدام الفيتو الأمريكي لرفض مقترح مشروع الحل البرازيلي جملة وتفصيلا، والذي تضمن إلى جانب ما سلف المطالبة بإلغاء الأمر «الإسرائيلي» بإجلاء سكان قطاع غزة لتهيئة الساحة لآلته الحربية لفعل ما تشاء.
ولكم في هذه الحالة المقارنة فقط بين ما قاله المندوب البرازيلي في الجلسة بتلك الملقاة وفي الجلسة ذاتها من قبل موفدة دويلة أبناء زايد، وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي، ريم بنت إبراهيم الهاشمي، التي أدانت فيها وبشكل صريح حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية إجمالا، حينما أشارت في كلمتها المقرونة بطلب وقف إطلاق نار في غزة لأسباب إنسانية، إلى أن «جرائم حماس» على حد زعمها لا تبرر عقاب «إسرائيل» الجماعي على سكان غزة.
ما يعني حسب موفدة الإمارات أن أعمال «حماس الإجرامية» من وجهة نظرها تعد هي لب المعضلة الرئيسية في ما يجري، ليس فقط لكونها استهدفت وداعة أشقائها في «أورشليم»، وإنما لكونها أيضا المتسبب الرئيسي وراء كل ما يعانيه مدنيو غزة جراء «إرهابها الموجه» ضد الصهاينة وضد عملية السلام المفصلة على المقاس الخليجي.
وعموما، وعدا عن إحاطة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والتي حاول من خلالها وبنوع لم يخل من النفاق السياسي المعهود التوفيق ما بين إدانته الصارخة لحماس وفصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية، وبين رفضه المعلن من ناحية أخرى لتعمد «إسرائيل» استخدام هذه الذريعة لقتل واستهداف المدنيين والمنشآت المدنية بذريعة ملاحقة حماس، إلا أن إحاطته تلك حظيت في الوقت ذاته بنوع من الموضوعية بالنظر الى إقراره الواضح أمام المجلس على أن هجمات حماس لم تأت من فراغ، كون الشعب الفلسطيني خاضعا منذ ما يقرب من سبعة عقود لاحتلال «إسرائيلي» خانق وهم يشاهدون أرضهم تلتهمها المستوطنات ويعمها العنف، واقتصادهم يُخنق، وشعبهم يُشرد، ومنازلهم تُهدم، وآمالهم في حل سياسي جاد تتلاشى يوما بعد يوم.
وهو الموقف الذي أسفر بطبيعة الحال عن وضع أنطونيو غوتيريش نفسه في خانة المغضوب عليهم من المنظور الصهيوأمريكي لعدم أهليته لقيادة الأمم المتحدة على حد زعم سفير الكيان الصهيوني لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، الذي سارع وعقب اختتام أعمال الجلسة إلى دعوة أنطونيو غوتيريش إلى الاستقالة الفورية من منصبه كأمين عام للمنظمة الدولية كونه لم يعد مؤهلا للبقاء في منصبه من منظور هذا الجلعاد الصهيوني.
ولعل أهم ما ميز بعض تلك المداولات المحتدمة في المجلس، يكمن هذه المرة، ليس فقط في حدة وتنوع موضوعاتها ومشروعاتها المقترحة، وإنما في ما حفلت به بعضها من رسائل مبطنة وموجهة «إسرائيليا» وأمريكيا على وجه الخصوص إلى أقطاب المحور المقاوم إجمالا، وإلى إيران وحزب الله تحديدا، من مغبة التدخل أو العمل على توسيع رقعة المواجهات الحالية.
ما يعكس حقيقة مدى الخوف والتوجس الذي بات مقيما بشكل لا يساوره الشك في أنفس المحذرين أنفسهم (الصهيوأمريكيين) من تنامي قوة ونفوذ وسطوة وخطر المقاومة إجمالا على مشاريعهم الاستعمارية والإخضاعية في المنطقة والخوف من أن يعم طوفان غزة ما تبقى من جبروتهم وهيبتهم الزائفة.
فعلى مدى عقود الصراع العربي «الإسرائيلي» لم يكن الخوف والانهزامية باديين البتة على المواقف الاستعلائية للأمريكان والصهاينة والمصبوغة عادة بغطرسة القوة والجبروت الذي يبدو أنه تلاشى وبقوة في الوقت الراهن أمام تعاظم جبروت المقاومة الفلسطينية والعربية التي تخوض معهم نزالا مصيريا يتحدد على أساسه بالتأكيد مستقبلهم ومستقبل قضيتهم التحررية الوطنية العادلة التي خضعت على مدى العقود الفائتة للمزايدات والبيع البخس من قبل أنظمة العمالة والارتهان العربي.
وحتى يحين موعد الخلاص فإنه سيتعين على قوى المقاومة في لبنان وفلسطين تقديم المزيد والمزيد من الملاحم البطولية والتضحيات الدموية كنذور واجبة لحرية طال توقنا وتوقهم لها.

أترك تعليقاً

التعليقات