محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
استفاقت جامعة الدول العربية، يوم الأحد الفائت 23 كانون الثاني/ يناير، من سباتها الشتوي الطويل، وبدعوة من دويلة الإمارات، لتعقد اجتماعاً استثنائياً طارئاً (وصف بغير الاعتيادي) كرس في مجمله لمناقشة الهجمات «الحوثية» الموصوفة بـ«الإرهابية»، وفق الخطاب السياسي العربي الرسمي، على دويلة الإمارات، والمقصود عملية «إعصار اليمن» لظافرة، والتي جردت عيال زايد بصورة ملحوظة من نشوتهم الآنية والزائفة بالنصر على شعب فقير ومستضعف.
وبحسب تصريحات المهرج الإماراتي قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدويلة العبرية في الخليج، فقد انعقدت الدورة في أجواء سادها التفاؤل بإمكانية إدراج حركة أنصار الله ضمن قائمة المجموعات والمنظمات الإرهابية.
مسكينة هذه الجامعة العربية التي تحولت بقدرة قادر من حاضنة للأمة العربية، وفق نصوص ومواثيق إنشائها قبل 77 عاماً، إلى نسخة شبيهة بجامعة الإيمان الوهابية التابعة لسليل الشيطان في بلادنا عبدالمجيد الزنداني، بالنظر إلى تخصص هذه الأخيرة بإصدار الفتاوى التكفيرية حسب الطلب وعلى المقاس أيضاً، في مقابل تخصص الأولى (الجامعة العربية) من جهتها بإصدار القرارات التجريمية وصكوك العروبة المفصلة هذه الأيام على المقاس العبري وحسب الطلب أيضاً، وكله بثمنه، بدليل أن أبوابها وهيئاتها باتت مفتوحة فقط وبشكل حصري ومنذ حوالى عقد مضى للدول والدويلات العربية الدائرة في فلك التطبيع والتبعية المجانية للثنائي الملهم (أمريكا و»إسرائيل»)، فيما دول وحركات الممانعة الثورية مثل سورية واليمن باتتا خارج المعادلة العربية ومجردتين ليس فحسب من حقهما التمثيلي الطبيعي في قوامها، وإنما حتى من هويتهما العروبية، إن جاز التعبير.
اللافت في هذا الصدد يكمن في أن انعقاد هذا الاجتماع الطارئ جداً لمندوبي الجامعة العربية الدائمين تزامن بطبيعة الحال مع نشوب جملة من الأحداث والمخاطر المتفجرة على الصعيد القومي العربي وفي أكثر من سياق طبعاً، وبشكل يمس مساساً مباشراً الأمن القومي والاجتماعي للعديد من المجتمعات العربية التي من المفترض أن تأتي همومها على رأس أولويات مهام هذه الجامعة الموبوءة والمغيبة كلياً عن الواقع القومي والعربي، منها على سبيل المثال لا الحصر تلك العودة القوية والمباغتة والمنسقة لما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في كلٍّ من محافظة ديالى العراقية والحسكة السورية، بالإضافة إلى تنامي حدة المخاطر المتجددة والمتواترة بشكل كارثي ضد فلسطينيي الداخل على وجه الخصوص، والتي تفاقمت عقب قيام مجموعة متطرفة من المستوطنين الصهاينة صباح يوم الأحد الفائت 23 كانون الثاني/ يناير، أي بالتزامن مع انعقاد الدورة الاستثنائية لجامعتهم العربية الموقرة، بالهجوم على قرية قيرة الفلسطينية والتهجم على قاطنيها العزل وإتلاف ممتلكاتهم، بالتزامن مع استعار الهجمات الصهيونية المتوالية ضد قاطني حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وتصاعد حملات التنكيل الصهيوني ضد سكان القرى العربية البدوية في صحراء النقب، هذا إذا استثنينا استفحال معاناة عشرات آلاف الأسرى القابعين في سجون الكيان العبري الشقيق!
وجدير بالذكر أن أياً من تلك القضايا لم تدرج، بل ولم تكن مدرجة في الأصل، ولو حتى من باب المجاملة أو الاستعراض النظري، ضمن جدول أعمال هذه الدورة غير الاعتيادية التي خصصت في مجملها لمناقشة «الإرهاب الحوثي» فقط، كون مثل تلك القضايا العروبية لم تعد تكتسب أي أهمية فعلية تذكر ضمن السياق العام للأجندة السياسية العربية، فالفلسطينيون باتوا الآن جزءاً لا يتجزأ من النسيج السياسي والاجتماعي لدولة شقيقة وعزيزة جدا على العرب، وهي «أورشليم»! وعليهم تعزيز هذا الرابط الأخوي عبر الانصياع الطوعي لسلطة ولي الأمر (الأخ بينيت) وحتى الصلاة خلفه أيضاً في بيت المقدس إذا ما اقتضت الضرورة، كون الرب واحداً والعدو واحداً أيضاً (إيران ومحور المقاومة)، والأديان قابلة للتعايش طالما وهي موجهة في الأساس لعبادة الرب ذاته ومواجهة العدو ذاته أيضاً، فيما الهبة «الداعشية» الأخيرة في كل من ديالى العراقية والحسكة السورية، والتي شهدت فرار ما يربو على 800 «داعشي»؛ منهم قيادات عليا للتنظيم من سجن الحسكة العمومي أوائل الأسبوع الفائت، فهذه مسألة لا تستدعي القلق البتة، كونها تأتي كاستجابة عفوية للمساعي العروبية الملحة الرامية لتعزيز جبهة المواجهة الموحدة أمام المد الفارسي من منطلق تظافر «جهود الجماعة» التي ظل ولا يزال يشكل فيها «الدواعش»، وعلى امتداد تاريخهم الوجودي المشؤوم، جزءاً رئيسياً من مكونها الحربي والمليشياوي في مواجهة العدو المشترك (إيران، والحوثيين، ومحور المقاومة عموماً)، بغض النظر -طبعاً- عن الطرق والأساليب الملتوية التي عادة ما يتم استدعاؤهم من خلالها عند الطلب وكلما استدعت الحاجة لوجودهم، على غرار عملية التنظيم الفائقة البراعة لفرارهم الجماعي الأخير من سجن الحسكة السوري، والتي تبين مدى كفاءة العقلية السياسية الخليجية والعربية الدائرة في فلكها في الإلمام بمثل هذه الأمور.
وعموماً، وبما أن جامعة العرب هذه قد خلقت في الأصل عقيمة منذ تشكل بذورها التكوينية الأولى، إلا أنها، وفي العديد من منعطفاتها الحاسمة والحافلة بالانتكاسات، قد برهنت بوضوح على مدى العبء الذي باتت تشكله كهيئة جامعة على كاهل العرب، كل العرب، في سياق مسارها التبعي والتطبيعي المحموم، فمن دعواتها المبكرة في العام 2001 للأمريكان والغرب عموماً للتدخل العسكري لإسقاط نظام القذافي في ليبيا إلى مباركتها الضمنية للغزو البريطاني الأمريكي للعراق في آذار/ مارس 2003 إلى دعواتها المتكررة قبل ذلك إلى التدخل الغربي الأمريكي المفتوح ضد النظام البعثي البائد في العراق بدءاً من العام 1990 وما تلاه، إلى موقفها الأخير والمخزي من مظلمة شعبنا اليمني، الموصوم من منظور ساستها ومهرجيها بالإرهاب... ومسألة كتلك تعد بديهية في الواقع، بالنظر إلى التداعيات الواسعة التي خلفتها عملية «إعصار اليمن» وما تلاها، والتي لم تقف فحسب عند حدود تجريد عيال زايد وزمرتهم من نشوتهـــــم الزائفة بالنصر، بقدر ما أدت في الوقت ذاته إلى إقلاق وزعزعة سكينة الوجود العسكري الأمريكي الذين اضطر أشاوسته إلى الاختباء في الملاجئ والتحصينات تحت الأرضية الملحقة في قاعدة الظفرة بأبوظبي، وإلى تعميق مخاوف الشقيقة الصغرى والمدللة «أورشليم» من احتمالية أن تطالها هي الأخرى يوماً ما رشقات الصواريخ الباليستية والمجنحة والمسيرات الهادرة بالصرخة والمصممة بعقول وأيادي ثوار لا يملكون في الواقع قوت يومهم.
وحتى يحين ذلك الوقت فلا ضير من ولوجنا كشعب وكبادرة إضافية ضمن الأجندة الإرهابية لجامعة بات وجودها يشكل وبالاً حقيقياً على رعاياها العرب، كل العرب.

أترك تعليقاً

التعليقات