الرهان على المطاوعة.. جريمة في حق الرب والتاريخ
- محمد القيرعي السبت , 17 مـايـو , 2025 الساعة 7:37:24 PM
- 0 تعليقات
محمد القيرعي / لا ميديا -
هذا صحيح قطعاً من وجهة نظري، إذا ما وضعنا بعين الاعتبار أن طريقنا -كيمنيين- ظل على الدوام مرصوفاً بطوابير المنافقين والمتزلفين وتجار المبادئ من “تحالف اليمين الديني والعشائري” ممثلاً بحزب الإصلاح، الذين نجحوا فعلاً في إعاقتنا، وخلال أغلب مراحل تاريخنا الاجتماعي والوطني، ليس فحسب من ولوج الجنة عبر التقرب الصائب والمثمر من المشيئة الإلهية، وإنما أيضاً من تلمس طريقنا الحالي والفعلي صوب المستقبل الآمن والمستقر.
انظروا مثلاً كيف نجح المطاوعة خلال تاريخهم الوجودي المشؤوم في جعل النفاق السياسي والديني المرتكز الأهم لفرض وجودهم وهيمنتهم الطاغية على مصير ومقدرات الأمة، إلى الحد الذي لم نعد فيه قادرين حتى على التفريق الفعلي ما بين الاستقامة والانحطاط.
فبعد أن بات واضحاً أن موسم انتصاراتهم السياسية والمليشياوية قد ولَّى دون رجعة، على إثر تحول الهتافات المؤيدة لهم من قبل الجماهير المخدوعة، وخصوصاً في المناطق المحتلة من قبل مليشياتهم المبندقة، إلى صرخات استهجان مدوية وملتهبة ومتنامية ضدهم، حتى شرعوا بالاصطياد في المياه الضحلة والموحلة التي يكثر فيها نمو الفطريات والطفيليات، وحتى شاهدي الزور أيضاً الذين تعوِّل عليهم الدعاية الإخوانجية للحؤول دون سقوط الجماعة إلى قعر المستنقع الأخلاقي في محاولة يائسة لاستعادة ما أمكن من الحضور والشرعية المفقودة على الصعيدين الجماهيري والوطني.
ومن هنا تجدهم يطلّون علينا بين الحين والآخر بأحد الوجوه الجديدة والفائضة عن حاجتنا بالطبع، للإيحاء -ربما- بأن عالمهم لا يزال بخير، ومسيرتهم عامرة بالمسرات، حتى وإن رفضهم الشعب بأكمله، فلا يزال هناك من يسبِّح بحمدهم، على غرار الفعالية القبلية الاستعراضية الأخيرة المعقودة في مارس الفائت بمحافظة حضرموت بوساطة ما يُسمّى “حلف قبائل حضرموت” بقيادة حليفهم الشيخ عمرو بن حبريش، رئيس الحلف، في محاولة لإظهار حضورهم الوطني الآخذ في التآكل الفعلي جراء مجونهم الاستبدادي والإجرامي والدموي المريع، وذلك عبر تقمصهم -من خلال هذه الفعالية- دور وشخصية القوة الحركية والوطنية الرئيسية الحريصة والمدافعة عن وحدة اليمن، التي كان لهم في الأصل سبق تفتيتها في المهد، من خلال دورهم التفكيكي المؤسس لحرب صيف 1994 المشؤومة والتي مهدوا لها بحملة واسعة ومنظمة من الاستهدافات الإقصائية والاغتيالات الممنهجة التي طالت قيادات الشريك الوحدوي الجنوبي (الحزب الاشتراكي اليمني) خلال الفترة الانتقالية بين عامي 90 و94، والمشحونة آنذاك بفتاوى الحرب والتكفير الصادحة من حناجر الإصلاحيين، وصولاً إلى شراكتهم الواسعة في عملية الاجتياح العسكري للجنوب في صيف 1994، التي لعب فيها حزب الرذيلة الإخوانجي هذا دوراً محورياً وبارزاً في تحقيق نتائجها الانقلابية الكارثية عبر استقدامه لعشرات الآلاف من عناصره الإرهابية القادمة من الداخل اليمني ومن أفغانستان والشيشان، بغية إقصاء الحزب الاشتراكي من هرم الشراكة السلطوية والوحدوية والحلول محله بأحط الصور الانتهازية وأكثرها وضاعة، إن جاز التعبير.
ذلك كان قبل أن يلتفتوا كحزب وكجماعة مهرطقة لجر البلاد مجدداً إلى حرب مذهبية وطائفية طاحنة استمرت عقداً كاملاً، بدأ في صيف 2004 ضد صعدة وأبنائها، وذلك عبر استغلالهم الانتهازي الوضيع للخطاب الديني واللاهوتي العقيم والمشوه ذاته بغية تسميم الروح الوطنية الواحدة بلحمتها الاجتماعية والوطنية المتسامية، وتفكيكها بالصورة التي يستحيل علينا إعادة تصويبها على المدى الزمني الطويل، وصولاً في نهاية المطاف إلى مشروعهم الخياني والإجرامي الأكبر والأكثر ضعة وبربرية في حق الشعب والوطن، حينما بادروا، وفي سياق سعيهم للحد من الالتحام والاندفاع الجماهيري الواسع والمحموم خلف ثورة الواحد والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014، وتحت المبادئ الانهزامية والدينية المارقة ذاتها، إلى استدعاء الخارج لضرب وتقويض كل منجزات ومكتسبات الشعب اليمني المحققة خلال الستة عقود ونيف الماضية، مخلفين مئات الآلاف من الضحايا من القتلى، جلهم من المدنيين العزل (نساء وشيوخاً وأطفالاً) وملايين الجوعى والمشردين الفاقدين لأبسط شروط الأمن والسكينة الاجتماعية والوطنية التي لم تعد في متناول أيدينا بالتأكيد على المدى الزمني الطويل، جراء التشرذم والتفكك المذهبي والمناطقي والقومي متعدد الأشكال والنزعات، الذي خلفوه على الساحة الوطنية بدم بارد وباسم الرب والوطنية أيضاً.
في الإجمال، إنهم الحزب والجماعة الأكثر فتكاً بالأحلام والتطلعات الوطنية، لدرجة لا تخلو معها كارثة وطنية وقعت على امتداد تاريخنا الوطني الحديث، وأي حدث مأساوي نشب هنا أو هناك، من بصمات حزب الإصلاح وجماعته الإجرامية والمارقة، الذين ارتبط اسمهم (كحزب أو كجماعة دينية) بالتآمر المفتوح ضد مجمل المشاريع والتوافقات الاجتماعية والوطنية والمذهبية، من خلال إيغالهم الدائم والدؤوب في إشعال الفتن والنعرات لإجهاض أي جهود أو مساعٍ وطنية لإحلال السلام وبناء الدولة، إلى حد أن وجودهم الحركي والفقهي المسموم بات أشبه ما يمكن بالورم السرطاني المسموم الذي ينخر في بدن الأمة دون أمل في شفائها منه.
ومع هذا لا يزال هناك من يصر إصراراً عجيباً ووقحاً على أن الخونج هم الحزب أو الفئة الأكثر نبلاً وتمثيلاً للقيم والمبادئ الوطنية والدينية التي فقدت بوصلتها تماماً منذ أن أصابتنا المشيئة بلوثة الخونج التي حلت علينا كاللعنة المشؤومة التي لا فكاك منها.
المصدر محمد القيرعي
زيارة جميع مقالات: محمد القيرعي