لسنا بحاجة إلى حزب وإنما إلى إجابة:لماذا تستعبدوننا؟!
- محمد القيرعي الأحد , 29 أغـسـطـس , 2021 الساعة 8:06:12 PM
- 0 تعليقات
محمد القيرعي / لا ميديا -
مهما كانت الأسباب والمبررات التي يسوقها بعض الزملاء من قيادات «الفئة المهمشة»
حول سعيهم الحثيث لتأسيس حزب سياسي لـ«المهمشين»، إلا أنني على ثقة راسخة بأن أطرافاً معينة في نظام المختل هادي تدفع بهم إلى الإسراع في إنجاز هذا المشروع الذي سيكون حزبا مختلطا (للمهمشين والبيض/ القبائل)، حسب
تبرير بعض الزملاء المندفعين بتهور غير مدروس لإضفاء نوع من الشرعية الإنسانية لنظام
فقد كل مبررات بقائه السياسية والوطنية والأخلاقية.
كما أنني على إدراك واعٍ أيضاً بأنه سيكون حزبا مختلطا بالتأكيد، لأن هذا ما يسعى إليه جلاوزة نظام الأفندم هادي ولأسباب عدة بالطبع نلخصها على النحو التالي:
السبب الأول يكمن في تجيير واستغلال كفاح وأصوات ونضال طبقتنا المهمشة مستقبلا لصالح شركائنا البيض في الحزب الذين سيسعون بالتأكيد لاعتمار «القبعة المخدمانية بامتياز»، لتحقيق مصالحهم السياسية... إلخ.
أما السبب الثاني فيكمن ولا شك في رغبة أطراف نافذة من النخبة والطبقة السياسية الحاكمة والموالية لها تحديدا في وأد وإعدام قضية «أخدام اليمن» في مهدها وبالطريقة ذاتها التي تمت إبان مؤتمر الحوار الوطني حين تم وباتفاق جنائي بين كامل أطراف المنظومة السياسية في السلطة والمعارضة إقصاء الفئة المهمشة بأكملها من حق المشاركة العادلة والمشروعة في مقابل قيامهم باستيعاب أحدنا ضمن قائمة رئيس الجمهورية وليس كممثل رسمي لـ»المهمشين».
وهو ما يراد حاليا من وراء مشروع الحزب المزمع، وذلك عبر الترويج ومن خلال مسمى الحزب ذاته لفكرة أن «المهمشين» باتوا يحظون فعليا بكافة حقوقهم السياسية والمدنية، بدليل أنهم باتوا يشكلون اليوم جزءا أساسيا من العملية السياسية في البلاد، الأمر الذي ستكون من أولى نتائجه الكارثية فقداننا كـ»مهمشين» لخاصية التعاطف الإنساني الخارجي تحديدا والذي نحظى به من عديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية والأممية الفاعلة، مثل اليونيسيف والامنستي مدريست ووتش وأوكسفام البريطانية وديا الفرنسية والعشرات غيرها ممن سيصبحون وعلى ضوء هذه الوقائع مقتنعين بأننا بتنا نوازي ربما قبيلتي حاشد وبكيل من حيث شراكتنا وفاعليتنا السياسية المبنية على وهم انخراطنا الفعال في العملية السياسية والحزبية في البلاد... إلخ.
إذن، وفي ضوء هذه الحقائق، فإنني أود هنا أن أتوجه لزملائي في قيادة حركة الحقوق المدنية السوداء، ممثلة بالاتحاد الوطني للفئات المهمشة، وبالذات إلى أولئك الواقعين في هذا الفخ الحزبي، بجملة من الأسئلة الحائرة والملحة أوردها على النحو التالي:
- هل سألتم أنفسكم، يوما، كم مرة حظي فيها فرد أو مجموعة مهمشة بحقوق الحماية والإنصاف القانوني العادل كونهم الأكثر عرضة لأعمال القتل والتنكيل والتشريد والاغتصاب الفردي والجماعي، المكرسة بصورة شبه يومية، بمقتضى شروط وامتيازات المواطنة المكفولة دستوريا من الناحية النظرية فقط؟!
- وهل سألتم أنفسكم كم مرة عبر فيها قاضي محكمة أو مسؤول نيابة أو رجل أمن على امتداد المشهد الوطني عن تعاطفه مع ضحية أو ضحايا مهمشين مثلوا أمامهم بأجساد ممزقة وأعراض منتهكة وكرامة مسحوقة وآدمية مستلبة جراء العنف العرقي الذي طالهم ويطالهم، وذلك عوضا عن تحيزهم المفرط، أي مسؤولي تطبيق القانون، وفي كل مرة، إلى صف المجرمين والقتلة والمنتهكين العنصريين على حساب حقوق الضحايا المفترضة بالعدالة والإنصاف؟!
- وهل سألتم أنفسكم لماذا عمال وعاملات قطاع النظافة والصرف الصحي -كمهنة دونية محصورة بالمهمشين فقط- هم الوحيدون من بين جميع العاملين في القطاع الخدمي الحكومي لا يتمتعون ولا يحظون بأي من حقوقهم الوظيفية العادلة والمفترضة مثل الحق في التثبيت الوظيفي والتأمين الصحي والمعيشي والوقائي والسكني، بل إنهم يعدون ومن الناحية الرسمية لا وجود لهم البتة في السياق الوظيفي العام للدولة، كونهم عاملين وفق شروط الأجر اليومي الذي يعد فعليا من أبشع أشكال الاستغلال الوظيفي المشاعي المكرس بنمطه الحكومي الرسمي وعلى إيقاع «يا فرح يا سلا»؟!
- وهل سألتم أنفسكم كم مرة بادر فيها أحد رجال الدين لوعظ رعاياه حول أهمية تجريم وتلافي مثل تلك الأفعال والممارسات الدونية والعنصرية بحق فئة تتشارك معهم العقيدة والثقافة والهوية والمصير والانتماء الوطني المشترك نفسه، ولو حتى من باب التطبيق المرجعي للتعاليم الدينية التي سخروها على الدوام لإصدار الفتاوى الشاذة ولشرعنة القتل والسلب والنهب والعمالة وقطع الرؤوس والإرهاب؟!
- وهل سألتم أنفسكم لماذا يتحاشى مجتمع (القبائل/ البيض) منذ أزل التاريخ مشاركتنا أفراحنا وأتراحنا وأعراسنا ومآتمنا أو حتى الاختلاط بنا لأي سبب كان، باستثناء المواسم الانتخابية فيما مضى، لأنه مجتمع محشور في بوتقة فلسفته الأخلاقية المنحطة والقائلة: «لا يغرك حسن الاخدام، والنجاسة في العظام»؟!
ـ وهل سألتم أنفسكم يوما: لماذا تشير نتائج المسوح الميدانية، التي أجريت في السابق لمعرفة النوع الاجتماعي الذي يستفيد فعليا من إعانات الضمان الاجتماعي، إلى أن طبقة «الأخدام» و»المهمشين» هي الطبقة الأكثر حرمانا من هذا العون الرمزي الحكومي الموجه في أغلبه لصالح طبقات القبائل، وجلهم من ملاك الأراضي والموظفين الحكوميين وحتى من أوساط البرجوازية المتوسطة، من دون طبقة «الأخدام» التي يعد أفرادها الأكثر فقرا وعزلة وحرمانا وتخلفا وأمية، بحيث لا تكاد نسبة المستفيدين منهم من إعانات الضمان الاجتماعي تتعدى حاجز الـ10 % من إجمالي تعدادهم الكلي على امتداد المشهد الوطني؟!
ـ وهل سألتم أنفسكم: لماذا الطفل المهمش الذي يولد في بلادنا لا يكاد يحظى في الواقع بما نسبته 5 % فقط من حقوقه المفترضة في الرعاية الصحية والتعليمية وفي التنشئة المجتمعية والحماية الدستورية والقانونية... إلخ، مقارنة بما يحظى به أقرانهم الأطفال من طبقة القبائل بمختلف فئاتهم ومكوناتهم، وهي النسبة ذاتها التي تنطبق أيضا على باقي «المهمشين» الذين لا يكاد الفرد منهم يحظى بما نسبته 5 ٪ قياسا بما يحظى به أقرانهم القبائل من حقوق وامتيازات المواطنة، بدءاً بالحقوق الوظيفية والتعليمية وحقوق الرعاية الاجتماعية والصحية، إلى حقوق الحماية القانونية والدستورية وحقوق العدالة والإنصاف وحق المشاركة في إدارة الشؤون العامة للبلاد؟!
ـ هل تتذكرون حينما تم إنشاء أول برلمان للأطفال في أعقاب حرب صيف 94م، حينما قرر الرئيس صالح تمتين العملية الديمقراطية المفصلة على مقاسه آنذاك، وعلى طريقته المعهودة لتأهيل الأجيال الصاعدة، كما أشيع حينها، على مبادئ الديمقراطية بعد أن تمكن الأفندم صالح مشكورا من الانفراد بالسلطة عبر إقصائه لشريكه في الوحدة الحزب الاشتراكي اليمني وتقويضه لكل أسس التجربة المدنية والديمقراطية الوليدة مع المشروع الوحدوي؟! كان ضمن تشكيلة النواب الأطفال طفلان من ذوي البشرة السمراء من أبناء حضرموت تحديدا، بطريقة جعلت النظام يتحدث في كل مناسبة ويقسم بكل المقدسات إنهم من فئة «المهمشين»، في بادرة وضيعة ومتعمدة لتضليل العالم أجمع فيما يتعلق بحقوقنا ومواطنتنا المستلبة وشراكتنا المفترضة في إدارة الشؤون العامة للبلاد!
صحيح أنهم (أي الحضارم) يشبهوننا من حيث اللون، وقد نبدو نحن أكثر وسامة منهم في الواقع، لكنهم لا يقاسموننا المصير نفسه. كما أن أعناقهم لا تتدلى منها قيود الدونية العنصرية المقيتة بالطريقة ذاتها التي تتدلى من أعناقنا نحن معشر «أخدام» و»مهمشي» اليمن منذ لحظات ميلادنا الأولى.
خلاصة القول هي أنه ليس لدي أدنى شك في أن الزملاء من قيادات المهمشين يدركون بكل تأكيد، مثلما أدرك أنا، فظاعة المعضلة التاريخية التي نتجرعها معشر «المهمشين» جيلا بعد جيل، مثلما يدركون أيضاً أن هذه الحقائق صحيحة ومعاشة ومكرسة كواقع موروث يؤكد بشكل لا لبس فيه أن تفشي ثقافة النبذ والتمييز والفصل العنصري في بلادنا ستظل قائمة ومعاشة وبأشكال وصور متمادية التلون.
فالمعضلة العنصرية في بلادنا ليست في الأساس مسألة شخصية أو آنية، بقدر ما هي معضلة «بنيوية» شائكة مرتبطة بالسياسة والاقتصاد وبكل أشكال الحياة اليومية، نظرا لارتباطها الوثيق أصلا بالوعي الجمعي للمجتمع، كونها تشكل في الأساس نتيجة لثقافة وطنية ومجتمعية موروثة ومتأصلة تحفزها جملة من الاعتبارات القومية لمجتمع مبرمج بكل فئاته ورعاعه وشيوخه وسياسييه وحكامه وقضاته ووعاظه، من الناحية الفلسفية والأخلاقية، على أبجدية قهرنا ونبذنا وعزلنا وإذلالنا وإلغاء وجودنا وتجريدنا القسري من كل حقوق وامتيازات الهوية الاجتماعية الوطنية... إلخ.
إذن، وعلى ضوء كل تلك الحقائق، فنحن «المهمشين» لسنا مضطرين البتة لتقديم تنازلات ضخمة بتلك الشاكلة التي قد تسهم بطريقة أو بأخرى في حجب أنظار العالم عن رؤية فداحة المظالم العنصرية الكامنة في حياتنا وحياة أجيالنا المتلاحقة، بقدر حاجتنا الفعلية إلى العمل الجاد لتصعيد وتائر الكفاح الطبقي للتخلص من تركيبة العقلية الرجعية الماضيوية التي تحكم وعي وسلوك هذا المجتمع البربري المأزوم إلى حد يرثى له.
فالحزب المزمع إنشاؤه لن يكون من وجهة نظري بديلا جذابا بالتأكيد لمسيرة الكفاح التحرري الطبقي المنطلقة من عمق المحاوي المشحونة بآمال الانعتاق، بقدر ما سيسهم ولا شك، أي الحزب، بمنح النظام القدرة التي يفتقدها لتأكيد مزاعمه المضللة فيما يتعلق بالشأن المدني والإنساني، ومنحه المصداقية المفقودة، خصوصا وأن كفاحنا كـ»مهمشين» لم يعد يقتصر فحسب على المسائل المتعلقة بمناهضة العنصرية والتصدي لحالة الإنكار الرسمي والمجتمعي حيالها ومقاومة النزعة الإلغائية الجمعية السائدة والمكرسة ضدنا، بالنظر إلى المتطلبات والالتزامات الكفاحية التي تنتظرنا على المدى الزمني الطويل في سياق التصدي لآثار ورواسب المعضلة العنصرية ذاتها والراسخة في حياتنا، على غرار ظاهرتي الفقر والأمية مثلا، والمتفشيتين في محيطنا.
إذ لا ننسى في هذا الصدد أن ما يربو على 99 % من طبقة «الأخدام» يعيشون على الدوام وفي مختلف الظروف الوطنية تحت خط الفقر، والنسبة نفسها تقريبا فيما يخص الأمية العلمية والمعرفية المستفحلة في نطاقنا، ما يعني أنه سيتعين علينا وعلى أجيالنا القادمة النضال ولعقود زمنية قادمة وطويلة لوضع الأسس الكفيلة بتمكيننا من تنظيف «وساخة القبائل» وإزالة عوالقهم العالقة في حياتنا وفي محيطنا منذ قرون مضت.
الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.
المصدر محمد القيرعي
زيارة جميع مقالات: محمد القيرعي