محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
أسوأ ما يثير حنقي وانزعاجي فيما يخص أسلوب الزعامة الاستعراضية الوهمية للأفندم الفضيحة عبد ربه منصور هادي، هو في لغة الوعيد والتهديد التي عادة ما يمطر بها "الحوثيين" بين الحين والآخر، وخصوصا عقب كل صلية "حوثية" تمطر -هنا أو هناك- فوق رؤوس مرتزقته الكثر في مختلف مناطق وجبهات الصراع والمواجهة.
الصليات "الحوثية" تتوالى، وكذلك وعيد هادي الذي برهنت مجمل الأحداث المرتبطة بتاريخه الشخصي ككل وليس فحسب تلك المرتبطة بمهزلة توليه غير المحمود سدة السلطة في فبراير 2012 أنه لم يخلق أبدا ليكون رئيسا ولا حتى لقطيع من الحيوانات المستأنسة، فما بالك بوطن تمتد جذوره الحضارية إلى بدء ولادة التاريخ البشري؟!
فمنذ سطوع نجمه غير المشرف بدءاً بأحداث 13 يناير المأساوية في العام 1986 في جنوب ما قبل الوحدة والتي لعب فيها دورا رئيسيا ومن موقعه كقائد للمحور الجنوبي الشرقي في نظام علي ناصر محمد في تنفيذ مجازر إبادة وتطهير حقيقية وممنهجة طالت أبناء جلدته الجنوبيين، وأيضاً قادة حركة الثورة الوطنية (الحزب الاشتراكي والجبهة الوطنية الديمقراطية)، مرورا بعد ذلك بفراره المخزي عقب خسارة زمرة ناصر للحرب في أواخر الشهر ذاته (يناير 86) واجتيازه حدودنا الجنوبية صوب جمهورية صالح في شمال ما قبل الوحدة والتي أجاد فيها لعب دور التابع المطيع، من خلال إجادته التسبيح بحمد نظام صالح وشكر نعمه وفضائل حكمته، إلى أن حل ميعاد إعلان الوحدة اليمنية في مايو 1990، وما تلاها بعد ذلك من فوضى وصراعات سياسية انتهت بنشوب حرب صيف 1994 المشؤومة والتي وجد فيها الأفندم هادي فرصته السانحة لتقديم نفسه للرئيس صالح وضد أبناء جلدته تحديدا على طريقة الجنرال الروسي الخائن فلاسوف (1) لولا أن الأفندم صالح كان آنذاك أكثر رفقا به حينما قرر تعيينه في منصب وزير الدفاع لقيادة الحرب ضد الجنوب والحزب الاشتراكي والتي ما إن وضعت أوزارها في يوليو 1994 حتى تم ترفيعه لمنصب نائب رئيس الجمهورية في سياق رؤية صالح آنذاك لفرض معادلة وحدوية جديدة قائمة على مبدأ الضم والتبعية عوضا عن المعادلة السابقة القائمة على أسس التوازنات السياسية والحركية.
وحينما أسهمت ظروف وأحداث الثورة الشبابية المغتصبة من قبل "إخوان الرذيلة" في فبراير 2011، بالإضافة إلى الوصاية السعودية المطلقة على القرار السياسي الوطني، في إيصاله إلى سدة السلطة السياسية عبر مهزلة الانتخابات الرئاسية أحادية الجانب والترشح والمُفَصَّلة وفق المبادرة الخليجية، كانت عمالته وتبعيته المطلقة لنظام بني سعود، بالإضافة إلى تفانيه التآمري المطلق ضد أمن البلاد واستقلالها ووحدتها وتلاحم أبنائها العنوانين الأبرز لحقبته غير المشرفة في الحكم، وذلك انطلاقا ليس فحسب من إصراره المخزي من جهة أولى في الإبقاء على البلاد رهنا ببنود المبادرة الخليجية من خلال دعواته المتكررة لتمديدها، وإنما أيضاً من خلال سعيه الانهزامي من ناحية أخرى في إبقاء البلاد تحت طائلة البند السابع للأمم المتحدة؛ بما يوفره هذا البند من أسباب كافية للقوى الإقليمية والدولية للتدخل العسكري متى ما اقتضت الضرورات المنسجمة في الواقع مع مصالحهم الحيوية، بالإضافة أيضاً إلى إسهامه الفاعل وعبر مهزلة "مؤتمر الحوار الوطني" في إرساء الحلول التفكيكية لواقع ومستقبل البلاد عبر إقرار مقترحات الموفد الأممي آنذاك جمال بن عمر الرامية لتقسيم البلاد في بوتقة أقاليم ذاتية الحكم بصورة كانت كفيلة في حال تطبيقها العملي بتجزئة البلاد إلى ثلاث دويلات مستقلة عن بعضها ـ إن جاز التعبير: دولة في الشمال، ودولة مستقلة في الجنوب، ودولة حضرمية مستقلة..
عمالة هادي الدراماتيكية أوصلته في نهاية المطاف إلى أن يصبح رئيسا بلا دولة، فهو لا يعدو كونه موظفا عديم الشأن في البلاط الملكي لمولاه الداشر محمد بن سلمان، فيما دولته المفترضة والتي لا يسيطر فعليا على شبر واحد منها تتنازعها القوى والمليشيات المسلحة بولاءاتها الموزعة ما بين الإمارات والسعودية وقطر وتركيا وأمريكا و"إسرائيل"؛ والمتصارعة فيما بينها تحت لواء "الشرعية" المزعومة للأفندم هادي.
فمن مجلس عيدروس "الانتقالي" الذي يسيطر على محافظات عدن ولحج وسقطرى، إلى النخب الشبوانية والحضرمية المسيطرة هي الأخرى على أجزاء أخرى من الحزام الجنوبي المحتل، إلى مليشيات على محسن الأحمر وأعوانه حزب الخونج الباسطين سيطرتهم على محافظة مأرب وأجزاء من محافظتي الجوف وتعز... فيما يقبع هو، أي هادي، وحيدا مع حاشيته الخاصة في فندق "إنتر كونتيننتال" بالرياض مجردا من القدرة على فرض سطوته وسيطرته حتى على نساء بلاطه على ما أظن!
وفيما تنهال الهزائم المتوالية التي تتلقاها القوات المفترض أنها تابعة له في مختلف جبهات المواجهة على أيدي "الحوثيين"، يبقى مصير الأفندم هادي رهنا بتطور دفة الحرب التي لم تعد تميل لمصلحته أو لمصلحة أسياده في تحالف العدوان، وخصوصا السعودية التي فقدت زخمها وسندها الحمائي على الصعيد الدولي بعد رحيل كل من دونالد ترامب من البيت الأبيض ونتنياهو من أورشليم ومجيء إدارة بايدن التي لم تعد مهتمة البتة بتأمين الحماية الاعتبارية الدولية للرياض ولا بتبوئها لأي دور إقليمي مفترض، بدليل قيامها الأسبوع الماضي بسحب واحد من أحدث أنظمتها المتقدمة المضادة للصواريخ من أراضي "مملكة الرذيلة" والتي كان سيئ الصيت دونالد ترامب قد نصبها أصلا بهدف التصدي للصواريخ "الحوثية"، ما يوحي فعلا باحتمالية إقدام إدارة بايدن على تكرار السيناريو نفسه الذي طبقه مؤخرا ضد حليفه، نظام أشرف غني في أفغانستان، أي عبر تخليه الضمني عن حليفتهم التقليدية السعودية، وتركها لتواجه معضلاتها الداخلية والدولية والإقليمية بمفردها. وإذا ما حدث هذا السيناريو فعلا، فعلى هادي وأسياده في المملكة السلام تحت وطأة المقاومة الوطنية للمشروع الإخضاعي الذي يقوده "الحوثيون" باقتدار كما برهنت أحداث الـ6 سنوات ونصف الماضية من الحرب.
خلاصة القول: إن مسؤولاً سعودياً رفيعاً -أتحفظ هنا عن ذكر اسمه- فيما يسمى "اللجنة الخاصة"، وهي بالمناسبة هيئة سعودية مخابراتية بامتياز شكلها في بداية العدوان نظام بني سعود لتنظيم وتوجيه والإشراف على مجمل أنشطة عملائهم الكثر في الداخل اليمني والخارج أيضا، هذا المسؤول سألني قبل حوالي الشهرين في اتصال هاتفي إبان اشتداد معارك مأرب عن عدد "المهمشين" (ويقصد هنا "الأخدام" طبعا) الذين رفدنا بهم جبهات القتال "الحوثية"، فأجبته أن أغلب مقاتلي "الحوثيين" هم مهمشون في الواقع، وإن كانوا من الناحية العرقية لا ينتمون إلى طبقتنا التقليدية معشر "أخدام اليمن"، لكنهم مهمشون بفعل عوامل القهر والتسلط والاستبداد السلالي والطائفي والسلطوي الطويل الذي مورس عليهم لعقود ماضية طويلة من قبل عملائكم ومرتزقتكم، وبالأخص جلاوزة عيال الأحمر.


هــامـش

(1) الجنرال فلاسوف: جنرال روسي كان يقود إحدى الفرق العسكرية الروسية الضاربة التي وقعت مبكرا إبان الحرب العالمية الثانية في أسر الجيش الألماني النازي (الوهر مخت) إبان اجتياحه لأراضي الاتحاد السوفييتي في إطار عملية "بارباروسا". وعقب وقوعه في الأسر بدل الجنرال فلاسوف ولاءه لأسياده الجدد النازيين عارضا عليهم خدماته الخيانية عبر استعداده لتوجيه فرقته العسكرية لخوض الحرب ضد بلاده لصالح الألمان.

* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات