ما بين الإسلام السياسي والإسلام الثوري.. أين يكمن الصواب يا ترى؟!
- محمد القيرعي الثلاثاء , 15 أبـريـل , 2025 الساعة 8:23:09 PM
- 0 تعليقات
محمد القيرعي / لا ميديا -
مع أنني أنحدر أساساً من بطون عائلة ملتزمة اتسم أغلب أفرادها -ولايزالون حتى اللحظة- بالتدين اللاهوتي الراسخ والعميق، باستثنائي أنا طبعاً، حيث اتسمت حياتي ومنذ بداياتها الأولى بالتمرد في هذا المنحى، مدفوعاً بقناعتي الذاتية الراسخة بأن تحقيق تطلعاتي الطبقية والذاتية في التحرر من سطوة التسلط والعبودية والاستبداد المطبقة على أعناقي منذ وعيت نفسي في هذا العالم، تستدعي في المقام الأول التحرر من قيود العقيدة الدينية ذاتها.
مع هذا، ومنذ سني مراهقتي السياسية الأولى، ورغم جهلي الواضح بالتعاليم والشرائع الدينية، إلا أنني كنت أفقه الفارق الجوهري والموضوعي طبعاً ما بين اتجاهين: الأول: مشاريع الإسلام السياسي المعممة بحراب التصوفات الوهابية والإخوانجية و»الداعشية» المصممة إجمالاً بحسب وصفات الـ(سي آي إيه) منذ تشكل بذورها التكوينية الأولى في الهند أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، والمعروفة بالحركة المودودية، نسبة لمؤسسها الأول أبو الأعلى المودودي، والناشئة آنذاك، أي الحركة المودودية، بوصفها المكون الأول لحركات الإسلام السياسي، بإيعاز وإشراف وتمويل ورعاية مباشرة من المخابرات البريطانية، التي أرادت من خلال إنشاء وتوجيه هذه الذراع الدينية تفكيك تلاحم وتماسك حركة الثورة الوطنية الهندية الساعية آنذاك للاستقلال عن التاج الإنجليزي، وشق وحدتها الداخلية.
والثاني: الإسلام الثوري، المعمم على أكتاف الحركات والمنظمات الشيعية المتناثرة على امتداد المشهدين العربي والإسلامي، والتي توجت في العام 1979 بالظفر الثوري المأمول على مستوى منطقتنا المكلومة، بقيام جمهورية إيران الإسلامية، بقيادة الثائر الديني والقومي آية الله الخميني، على أنقاض النظام الملكي، نظام الشاه محمد رضا بهلوي، المعروف آنذاك بوصفه الطفل المدلل لكلٍّ من «أورشليم» وإمبراطورية اليانكي، وذراعهما الأمنية واللوجستية الأهم في عموم منطقتنا العربية والإسلامية.
إنه الفارق الذي يمكن أيضاً لأيٍّ منكم إدراكه بجلاء، من خلال القراءة الموضوعية والمتأنية للأحداث التي تبين تفاصيلها بوضوح. كيف يجهد ولايزالون حتى اللحظة مبشرو الفكر الوهابي و»الداعشي» والإخوانجي وأعوانهم على امتداد المشهد الديمغرافي للأمة بتسخير كل جهودهم وإمكانياتهم وثروات شعوبهم وتفسيراتهم اللاهوتية العقيمة والمشوهة للدين، لخدمة أجندة أسيادهم من أعداء الأمة في إمبراطوريتي اليانكي و»أورشليم»، فيما يجهد ثوار الجمهورية الإسلامية ومن وراءهم من بواسل الشيعة، من لبنان وفلسطين واليمن والعراق، الذين ومن خلال إخلاصهم لدينهم وولائهم القومي والوطني وشغفهم الثوري وعزائمهم القوية، لم يتوانوا حتى اللحظة عن بذل أمنهم وأرواحهم ودمائهم رخيصة وبسخاء الفاتحين الحقيقيين دفاعاً عن حياض الأمة والذود عن أمنها وكرامتها المستلبة والمستباحة من قبل أعدائها الممولين على الدوام بأموال وذرائع جلاوزة الفكر الوهابي والإرهابي على امتداد ممالك ومشيخات الخليج الفارسي، والمدفوعة كما هو معلوم بمجونها الانبطاحي المقيت، وبالصورة التي بيّنها الرفيق القائد المؤسس كارل ماركس، حينما أشار في إحدى أطروحاته إلى أن «المثقفين والمبشرين الانتهازيين من حملة الفكر الديني والتنويري يمكن أن يكونوا أكثر خيانة لقضايا شعوبهم، بسبب قدرتهم على تبرير أفعالهم أو مواقفهم باستخدام الخطاب الفكري أو الأيديولوجي والديني»، بمعنى آخر، يمكن لهؤلاء المثقفين أن يستخدموا معرفتهم وحججهم لتبرير مواقف أو سياسات تضر بمصالح الجماهير أو الشعوب، بدلاً من الدفاع عن مصالحها الحقيقية.
هذا هو الواقع الذي يمكن تبيانه بوضوح من خلال قياس ذلك المجون الدعائي والتحريضي المسموم والموجه بقوالبه الدينية والمذهبية الجاهزة عبر أبواق حملة الفكر الوهابي ومبشريه وأعوانهم على امتداد المعمورة ضد كل ما يمت بصلة للشيعة ولمشروعاتهم الثورية الموجهة أساساً ضد أعداء الأمة.
والأمر الذي بتُّ أفقهه أكثر هو أن احتكاكي المباشر بهذه العينات الثورية والدينية السوية من الجماعات الشيعية قربتني أكثر من الرب، الذي ظل ولائي له محكوماً بالكثير من النفور الذاتي المتولد أصلاً من حجم التشوهات الفقهية والدينية المعممة من قبل أرباب الفكر «الداعشي» والوهابي، بالنظر إلى الدعة والبساطة المطلقة التي لمسنا بها أسس وتعاليم العقيدة الدينية من قبل هؤلاء الخوارج، ليس عن الملة كما يزعمون، وإنما عن طوابير البيع والشراء المجاني بالأوطان والأعراض والكرامة والمعتقدات الدينية، وباسم الرب والملة ذاتها.
المصدر محمد القيرعي
زيارة جميع مقالات: محمد القيرعي