هجين المبادئ لدى الزميل فكري قاسم
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
إنه لأمر مؤسف ومؤلم حقا أن يتحول كاتب وصاحب قلم وطني بحجم الزميل الأستاذ فكري قاسم إلى مهرج عديم النفع والمصداقية.. بالصورة التي جسدها مؤخرا في منشوره الأخير ضدي والمعنون بـ"أنا الرئيس خلال 24 ساعة القادمة"، بما حواه من أكاذيب وتهكم وشماتة وتجريح شخصي طالني دون سبب مقنع سوى رفضي الدخول في زوبعة الارتزاق لأحظى بالتبجيل المستحق كما أشار الرفيق العزيز والعظيم بحق، صلاح الدين الدكاك في رده على المنشور آنف الذكر.
إنها الكارثة التي لخصتها وحذرت منها الرفيقة القائدة روزا لوكسمبرغ، حينما أشارت في مداخلتها الرئيسية الموجهة لمندوبي "عصبة سبارتاكوس"، والمكرسة لتعنيف المرتدين أمثال فريدريك أيبرت، عشية إشهار ميلاد العصبة الثورية أوائل يناير 1919م: "إن هؤلاء المرتدين الذين لا يملكون القُدرة والإرادة الفعلية على أن يصبحوا أحرارا. يُعوّلون بادئ الأمر على إخفاقكم كي ينتصر فكرهم الانهزامي، وحين لا تنكسر إرادتكم لا يتورّعون في استدعاء الجريمة معتقدين بأنهم يُلغون بذلك خصومهم من التاريخ الثوري برمته".
وعموما، وباختصار، لست هنا بصدد دحض وتفنيد تلك الخزعبلات الفارغة والفاقدة للمصداقية التي حواها طرح الزميل فكري قاسم حولي في منشوره آنف الذكر، وإنما الهدف ببساطة مرتبط بتفسير ذاك الهوس العدائي الذي تضمنه منشوره بصورة عكست وتعكس ضحالة وابتذال المبادئ المتنوعة التي يعتنقها فكري قاسم على إيقاع الارتزاق الذي جرده، ليس فحسب من فكره ومبادئه ووطنيته، وإنما أيضا من موضوعية وفاعلية قلمه الذي كان ذات يوم أشبه بالصرخة المدوية المنحازة إلى صف قضايا الوطن ومتعبيه وكادحيه ومهمشيه.
وللعلم، كانت المرة الأخيرة بحسب ما أذكر التي اتصلت وتواصلت فيها شخصيا بالزميل فكري قاسم في العام 2011م، أي قبل ما ينوف على الثلاثة عشر عاما كاملة.. وفي خضم ما تسمى "الثورة الشبابية"، حينما كان لايزال يحرر صحيفة "حديث المدينة"، حينما نشرت آنذاك في صحيفته آخر مقالاتي الاستنكارية على ضوء هتافات شباب الثورة الترحيبية بجنرال العمالة علي محسن الأحمر، بما معناه "حيوا الفرقة حيوها.. وعلي محسن قائدها"، والتي وصفت فيها ثورتهم بأنها فقدت عذريتها تماما بولوج علي محسن صفوفها لتتحول إلى "داعرة" متبرجة في حانة مكتظة بجنرالات الحرب المتشوقين للمتعة.
بعدها لم يرد اسم أو ذكر فكري قاسم في مخيلتي على الإطلاق، إلا على وقع منشوره الأخير الذي صدمني بحق، بما حواه من شتائم وتشف وتهكم وسخرية لم يكن لها ما يبررها، وبشكل جعلني أتساءل حقا حول ما الذي جنيته ربما في حقهم فعلا لأستحق منهم كل ذلك الحقد والإنكار والتشفي والتجريم والتحقير الازدرائي؟! وممن؟! من رفاق على شاكلة فكري قاسم كنا وحتى الأمس القريب نتشارك وإياهم نفس القيم المناوئة للقهر والتسلط والاستبداد والديكتاتورية.
وهل السبب يكمن حقا في عجزي أو عدم استعدادي الذاتي للسقوط مثلهم في مستنقعات العمالة والارتزاق، فالردة، وبحسب علمي، ليست من شيمي الثورية.. فأنا حينما غادرت الحزب الاشتراكي اليمني ظللت ولا أزال أعتمر حتى اللحظة العباءة الماركسية كمبشر ثوري يعلم الاجتماع السياسي والاقتصادي، وحينما غادرت صنعاء في ديسمبر 2018م لأسباب قاهرة فقد غادرتها حاملا معي وفي أحشائي وخلجاتي ثورة أيلول 2014م كأيقونة مرشدة لي حتى وأنا أعيش في قبضة أعدائها من طوابير المرتزقة ومليشياتهم اللامتناهية.
الأمر الأخير الذي أود الإشارة إليه في هذا الصدد، يكمن في أن زمن وتوقيت نشوء صداقتي ومعرفتي الشخصية بالزميل فكري أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت هي الفترة ذاتها التي شهدت ولادة ذات العلاقة الكفاحية والشخصية مع الزميل والرفيق العظيم والملهم والأكثر ثورية وألقا ربما من معلمنا (كارل ماركس) ذاته، صلاح الدين الدكاك، الذي تعلمت من خلاله وقلمه وإرثه التقدمي، ولا أزال، خاصية التفريق الفعلي ما بين كوفية الحرية وعباءة الأوهام الرخيصة والمبتذلة والوضيعة، والذي برهن على الدوام وعبر إصراره على اكتساب نقمة أقرانه القبائل من خلال دفاعه الدائم عني وإسناده المستديم لي في أحلك الظروف والمنعطفات السياسية والحركية التي مررت بها، على أنه النموذج الثوري الحقيقي الذي ينطبق عليه توصيف الرفيق لينين حينما أشار في إحدى أطروحاته إبان مرحلة الكفاح الثوري البلشفي ضد قيصرية روسيا، بما معناه "أن الرجال العظماء، هم أولئك الذين نلتقيهم في أوقات الشدائد والثورات، والذين نتزود من خلال نقائهم ومثلهم الثورية السوية القدرة والإلهام الكافي للمضي قدما بالعملية الثورية إلى مصاف الظفر النهائي لانتصار الإنسانية".
فلماذا لا يحذو الزميل فكري قاسم حذو الدكاك للحفاظ على إرثه التقدمي الذي فقد مناعته أمام إغراءات العمالة الملوثة والمسمومة.

أترك تعليقاً

التعليقات