دنبوع كابول!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يبرز الفرق بين دنبوع اليمن ودنبوع أفغانستان في طبيعة المآل الواحد فقط، فالأول نُصب رئيسا مؤقتا انتقاليا من دول الوصاية العشر بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبالمثل الثاني نُصب مرتين رئيسا بانتخابات شكلية وقرار أمريكي، لكنه أدرك سقوط شرعيته بمجرد انسحاب القوات الأمريكية، وغادر البلاد فارا "حقنا للدماء" كما قال.
دنبوع اليمن، ظلت ينفذ بإخلاص ولايزال مهمة تفكيك الدولة وتمزيق اليمن، وظلت اجتماعاته بسفراء دول الوصاية العشر لتلقي التوجيهات، ومازالت أكثر من اجتماعه بالحكومة وأكثر من حديثه مع الشعب الذي تبين أنه يحتقره ويزدريه ولا يأبه له، بل يسبه ويلعنه كما جاء في المكالمات المسربة مع أمين مؤتمر حواره المسير أمريكيا، ثم استقال قبل أن يُقال له تعال.
استقال "هادي" حنقا لظهور مَن يقول له: لا، توقف والزم حدك. ثم قالت له دول الوصاية العشر، التي غدت دول تحالف العدوان: تعال مهمتك لم تنته بعد، بل بدأت للتو، فأنت "الرئيس الشرعي وسنحارب لإعادتك"، ونستخدمك لإنفاذ مخطط "مؤتمر الحوار" بالقوة، وحين ننتهي يمكن أن تستقيل أو تذهب إلى الجحيم.
ضجت هيئات المجتمع الدولي ومنظماته وكذلك الهيئات العربية والإسلامية التي تبين أنها تعمل بالدفع المسبق، وتتبع الريال السعودي، ومن ورائه القرار الأمريكي. ومازالت تغني بـ"شرعية هادي" لتسويغ استمرار الحرب العدوانية على اليمن وتحقيق أهدافها الأمريكية ـ البريطانية ـ "الإسرائيلية"، بواجهة سعودية إماراتية.
على العكس من هذا، صمتت هذه الهيئات، لأن "الرب الأمريكي" سئم من القتال في أفغانستان، ومن الإنفاق على قواته وحروبه الفاشلة، وتجاوز ميزانيتها طوال 20 عاما ما يقارب تريليون دولار، حسبما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في رده على منتقدي الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان.
الانتقادات لقرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، جاءت للمزايدة والمكايدة السياسية، وإلا فبدايات الانسحاب تعود إلى عهد الرئيس باراك أوباما، ثم جاء دونالد ترامب وحاور حركة طالبان، ووصل بايدن إلى أن الاستمرار في أفغانستان استنزاف للقوات والأموال الأمريكية على الآلاف من المرتزقة سياسيين وعسكريين.
فعليا جرى ترتيب الانسحاب الآمن للقوات الأمريكية مع حركة طالبان والاتفاق على آلياته وفترته المزمنة والمقرر أن تنتهي بحلول منتصف سبتمبر المقبل، وأرادت أمريكا اندلاع حرب بين الحركة والقوات الأفغانية التي أسستها ومولتها وسلحتها بنحو 100 مليار دولار، لكن جيش المرتزقة ينهار بانهيار سيده ودافع رواتبه.
سيطرت حركة طالبان خلال 10 أيام على 33 ولاية حتى وصلت إلى أبواب العاصمة كابول، فحزم الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني أحمد زي حقائبه، ورغم ارتهانه للأمريكان، أدرك أن انسحاب القوات الأمريكية يعني انتهاء شرعيته، وغادر البلاد فارا "حقنا للدماء" كما قال، قبل أن تستقبله وعائلته الإمارات لاحقا.
لا ضجيج في المحافل السياسية الإقليمية والدولية، وقبلها العربية والإسلامية، ولا زفة "الرئيس الشرعي" ولا "الحكومة المنتخبة"، ولا حتى زفة "انقلاب طالباني". ليس لأن المايسترو الأمريكي كف عن الغناء والتزم الصمت، بل لأن الواقع يفرض نفسه بنهاية المطاف. سارت الأمور بهدوء وتقبل الشعب الأفغاني لحركة طالبان.
ومع ذلك، مازالت المحافل السياسية نفسها، تطبل وتغني أغنية "شرعية هادي"، ليس لأنه "رئيس شرعي" أو حتى صالح للاستخدام، بل لأن دول الحلف الأنجلوصهيوني (أمريكا بريطانيا وإسرائيل) لم تكمل تحقيق أهدافها من هذه الحرب العدوانية على اليمن ولم تحقق أطماعها التي لم تعد خافية على أحد، ولا ينكرها أحد إلا مرتزقة التحالف!
يبقى الثابت أن الغازي الأجنبي المحتل والغاصب للأرض والسالب للسيادة والناهب للثروات، لا يدوم، ومآله الجلاء القسري وجر أذيال الهزيمة والندم والحسرة، وبالمثل من يعاون المعتدي والغازي الأجنبي، مصيرهم تخلي الغازي والمعتدي عنهم حين فراره، كما حدث لهم في سايغون بفيتنام عام 1973م، وتكرر معهم حرفيا في كابول بأفغانستان.

أترك تعليقاً

التعليقات