اصطفافات غبية!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يستمر الغباء حد التبلد، ويسود هوج الحماقة، ردود فعل قطاع واسع من اليمنيين واصطفافاتهم حيال الأحداث. يظهر هذا بوضوح أكثر بين أوساط المغيبين عن الوعي، والمتكيفين مع نهج القطيع، حيث تتغلب إمعية الجهل وتبعية العقل لمرجعية النقل. حتى وإن كان في هذه التبعية ومنها، صنوف نكال شتى بحق القطيع المنقاد نفسه!
من ذلك مثلاً، لا حصراً، انقسام قطعان الناشطين اليمنيين، المُتمترسة تمترساً إمعياً مطلقاً ومسيراً خلف قوى أو جماعات، حيال الحرب الروسية الأوكرانية. انقسام هؤلاء بين طرفي الحرب يبعث على السخرية والشفقة في آن معاً. ينقادون إلى مواقف كفلائهم دون وعي لماذا مع هذا ولماذا ضد هذا؟ ويتعامون عن آثار الحرب على بلادهم.
ناشطو تجمع الإصلاح (إخوان اليمن)، انحازوا إلى صف أوكرانيا، وتبعاً المعسكر الغربي، ضد روسيا والمعسكر الشرقي. انحياز يبدو في ظاهره نكاية بالتدخل الروسي في الحرب التي تدور في سورية منذ 12 عاماً. لكن منطلقاته حسب مجريات الأحداث، ولاء مستمر عُرفت به جماعة الإخوان للغرب وخدمة مصالحه أينما أبحرت، وأطماعه حيثما كانت.
هذا مع الأسف واقع مشهود، في مواقف الجماعة، حيال الأحداث الكبرى في المنطقة والإقليم، منذ حشد المجاهدين للحرب ضد السوفيت في أفغانستان ثم للحرب في البوسنة والهرسك ثم الحرب في العراق ثم في سوريا، وقبل هذا وذاك في المناطق الوسطى باليمن، ما يعرف بحروب الجبهة مروراً بحرب صيف 1994م وصولاً لحرب اليوم.
تركت جماعة الإخوان، حرباً إسلامية وعربية لاتزال رحاها دائرة وأوزارها قائمة، في فلسطين والضفة الأردنية وسيناء المصرية وجنوب لبنان والجولان السوري؛ وحشدت المقاتلين إلى أفغانستان لأن الولايات المتحدة الأمريكية ومعسكرها الغربي، أمرت بذلك في سياق حربها الباردة مع خصمها وندها، القطب الثاني للعالم، آنذاك، الاتحاد السوفيتي!
كذلك الحال مع باقي حروب أطماع وهيمنة أمريكا وحلفها «الأنجلو-صهيوني» في العالم. كانت جماعة الإخوان -مع الأسف- تقف حيث مصلحة واشنطن ولندن والكيان «الإسرائيلي». تحت شعارات خادعة ظاهرها حق يراد به باطل، من نوع «الجهاد المقدس» و»نصرة الإسلام» و»الدفاع عن المسلمين»، بعيداً عن القضية الأم للمسلمين، فلسطين.
ربما صار هذا من الماضي، لكنه لا ينفك يتجدد، حيثما تكون المصالح والأطماع الغربية. آخر ذلك هذا الاصطفاف مع أوكرانيا. رغم علم الجماعة حقيقة المصلحة الأمريكية الأوروبية في أوكرانيا ونظامها الصاعد بتدخل ودعم غربي مباشر حداً مكن ممثلاً مغموراً من التربع على سدة الرئاسة، دون أدنى مقومات تؤهله لهذا المنصب السيادي!
لست مع الحرب في أي مكان أو زمان. لكن الحرب تُفرض ولا تُطلب، كما هو السلام يُقبض ولا يُوهب. قد يلتبس الأمر لفترة على الناس، لكن سرعان ما تتضح خلفيات هذه الحرب وأسبابها ودوافعها وبالطبع ملامح الحق وفي صف مَن هو مِن أطراف الحرب. حتى في حسابات السياسة، هناك أيضاً معايير تتحكم بالموقف، كالمنافع والأضرار والمصالح.
هذا ممكن بتتبع خلفيات الحرب، الممتدة منذ عقود، وبصورة أكبر منذ صعود النظام الجديد في أوكرانيا عام 2014م. تحالفات النظام مع الغرب وأوروبا، وتهديداته للأمن القومي الروسي، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. فعلياً، أجندة مصالح أمريكا وأوروبا في أوكرانيا، واضحة لكل متابع لبيب ومراقب فطن. إن ليس قبل اشتعال هذه الحرب، فبعد اندلاعها.
كل ما سلف، قد لا يكون مهماً لليمنيين، قدر أهمية تداعياته وانعكاساته على الشأن اليمني ومصالح اليمن واليمنيين. هناك تأثير مباشر للحرب الروسية الأوكرانية على الإقليم والمنطقة وتبعاً اليمن. لعل أبرز تجليات هذه الآثار، تتجاوز الاعتماد على القمح الأوكراني، إلى تداعيات حظر استيراد الغاز الروسي، وبدائله للغرب وأوروبا، في المنطقة واليمن.
يتعامى ناشطو القوى التابعة لتحالف الحرب العدوانية على اليمن، على اختلاف فصائلهم، عن التحرك الأمريكي الأوروبي العلني في اليمن لاستئناف تصدير غازه، الموقوف عمداً طوال سبع سنوات. يتجاهلون الصفقات التي تبرم لنهب الغاز اليمني بأبخس الأثمان، وتحت وصاية السعودية والإمارات، وإشرافهما على الإنتاج والتصدير وتحصيل العائدات أيضاً!

أترك تعليقاً

التعليقات