تصفيات ثأرية!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تبدو مجريات المونديال في ظاهرها رياضية؛ لكنها في حقيقة ما تشهده أكثر من مجرد بطولة رياضية كروية عالمية. هناك تصفيات اقتصادية وهي بمليارات الدولارات، وهناك تصفيات سياسية، وتصفيات ثقافية وحسابات تاريخية للشعوب ومنتخباتها أيضا. ظهر هذا لافتا وبقوة في مونديال قطر.
برزت التصفيات السياسية في استبعاد روسيا من المنافسة على التأهل لمونديال 2022 على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، بقرار سياسي أوكل اتخاذه للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الخاضعة قيادته لهيمنة أوروبية منذ تأسيسه في أيار/ مايو 1904، من 12 دولة أوروبية.
الأمثلة كثيرة لتصفية الحسابات السياسية في نسخ بطولة كأس العالم، ليس أبرزها استبعاد منتخب إندونيسيا ومنتخب زيمبابوي قبل بداية تصفيات مونديال 2018 بسبب “مشكلات خارج إطار لعبة كرة القدم”، حسب ما ورد في الموقع الإلكتروني للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)!
هناك أيضا تصفيات اقتصادية. مازالت كبرى الشركات الأوروبية تحتكر رعاية البطولة في مجالات شتى، بدءا من كرة القدم، مرورا بملابس وأحذية اللاعبين، وتذاكر المباريات، وإعلانات الملعب، وحقوق البث والنقل التلفزيوني... إلخ، ما تقارب محصلته العشرة مليارات دولار!
على أن الأبرز في هذه النسخة من البطولة، والمقامة لأول مرة في بلد عربي (قطر)، هو تصفية الحسابات الثقافية، التي برزت في منع رفع شارات ورايات المثليين وتعاطي الكحول بالملاعب، وفي رفع الجماهير العربية رايات فلسطين، ونبذهم مراسلي إعلام الكيان الصهيوني.
ليس هذا فحسب، برز أيضا انكسار الهيمنة الأوروبية والأمريكية الجنوبية على البطولة بنسخها السابقة، حد احتكار 8 منتخبات الفوز بلقب كأس العالم: 5 من القارة الأوروبية (إيطاليا وألمانيا وإنجلترا وفرنسا وإسبانيا) و3 من قارة أمريكا الجنوبية (البرازيل والأرجنتين وأوروغواي).
استطاعات المنتخبات العربية المشاركة، بمؤازرة جماهير عربية غفيرة مشجعة، أن تكسر هالة منتخبات كبيرة، مثل الأرجنتين وفرنسا وإسبانيا والبرتغال، مثلما استطاعت منتخبات آسيوية كاليابان وكوريا الجنوبية أن تكسر وتُخرج منتخبات كبيرة مثل ألمانيا وإسبانيا... إلخ.
قد يرى البعض أن البطولة ومنافساتها رياضية ولا علاقة لها بالسياسة. لكن الواقع يرد بأن المتنافسين وبخاصة حين تلعب منتخبات دول لها باع في الغزو والاحتلال، مع منتخبات الدول التي غزتها واحتلتها وأذاقتها الويل، لا يمكن أن يكون هذا مستبعدا أو غائبا عن أذهان اللاعبين.
بدا هذا واضحا في المباريات التي لعبها منتخبا تونس والمغرب مع المنتخبات الأوروبية. لم تكن مجرد مباريات رياضية، بل ملاحم ومعارك، قاتل فيها لاعبو المنتخبين كالأسود، وحققوا انتصارات غير مسبوقة، قهرت منتخبات دول إمبريالية وعنصرية، بهزائم لم تتوقعها مطلقا.
وبقدر ما أكدت مشاركة المنتخبين التونسي والمغربي فشل الرهان على الإنفاق المالي الباذخ والمدرب الأجنبي الشهير؛ فإن منتخب تونس استطاع أن يثأر رياضيا وثقافيا وسياسيا من فرنسا. وبالمثل منتخب المغرب الملقب “أسود الأطلسي” استطاع أن يثأر من غزاته إسبانيا والبرتغال، ما يجعلنا نتطلع إلى المزيد.

أترك تعليقاً

التعليقات