قميص «مكة»!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

من جديد، عاد النظام والإعلام السعودي إلى تسويق الحيلة نفسها لاكتساب التعاطف العربي والإسلامي، واستقطاب المجندين المقاتلين في صفوفه.. حيلة زعم استهداف الأراضي المقدسة في مكة، و"قصف الكعبة وبيت الله الحرام"، التي سبق أن استخدمها ويعيد استخدامها لاستجداء مزيد من المقاتلين وتعزيز مزاعمه لمواصلة حرب تحالفه على بلد عربي مسلم وشعب مسالم، يتواصل قتله وتجويعه وإذلاله.
لم تكن هذه الحيلة بنت لحظتها ولا وليدة اليوم، حيلة ادعاء النظام السعودي تعرض الاراضي المقدسة في مكة المكرمة للاستهداف والقصف الصاروخي، فقد زعم ذلك منذ بدء حربه، وسبق أن أطلق في أكتوبر 2016م على نحو مكثف ضباط مخابراته وأبواقه عبر منابر المساجد وعنابر الفضائيات ودوائر الصحافة حملة كاذبة تحمل عنوان "الحوثيون يقصفون مكة" وهاشتاج: #HouthisStrikeMecca
ليس غريباً أن يعمد إعلام النظام السعودي إلى تهييج مشاعر البسطاء من عوام العالم الإسلامي، ومحاولة استقطاب السذج لصفه، خصوصاً وأنه قد أنفق طوال عقود مئات المليارات من الدولارات لنشر فكره الديني المتطرف، المكفر للمختلف عنه والمخالف له سياسياً ومذهبياً، وابتزاز حاجة الشعوب وعوزها لشراء الأتباع بعد تسميم صدورهم بالكراهية والشحناء، وتطبيعهم بالفجور والبغضاء وتلويث عقولهم بالتطرف وعقيدة الاعتداء...
وليس غريباً بالمرة أن تتوالى أوتوماتيكياً بيانات الشجب والاستنكار والتنديد والإدانة، المبنية على مزاعم النظام السعودي، من مئات وربما آلاف المنظمات والهيئات المصنفة اسماً "عربية" و"إسلامية"، لكنها فعلاً تابعة له ووجهة بوصلة تمويله؛ فقد اعتادت ترديد ما يمليه عليها وتسجيل مواقف حسب الطلب موالية له، وتعامي كل شروره وجرائمه بحق الإسلام والمسلمين ومجازره الدموية بحق العرب المسالمين.
جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي ومشيخة الأزهر والاتحاد الدولي لعلماء المسلمين (الإخوان)، وغيرها من المنظمات والاتحادات التي تبنت سابقاً وفي كل حين مزاعم النظام السعودي باستهداف اليمن مكة، التزمت ولاتزال تلتزم الخرس "مسبق الدفع" حيال مجازر طيران التحالف السعودي بحق المدنيين طوال 4 سنوات ونيف، وآثار حصاره الجوي والبحري والبري لليمنيين.
ماتزال كل هذه المنظمات والاتحادات والجمعيات تدين وتستنكر أي تطور في الحرب ليس لصالح السعودية ودول تحالفها، وآخر ذلك هجوم الطيران المسير على منشآت شركة أرامكو النفطية السعودية في الرياض، وقبلها الكثير من الإدانات لقصف معسكرات التحالف في اليمن، وقصف بوارجه الحربية في البحر، وكل ما يلحق وجعاً بالتحالف، في مقابل تجاهل كل جرائم التحالف بحق المدنيين، لا فقط مقدرات اليمن.
لو كان الأمر لا علاقة له بـ"صراف البنك السعودي والخليجي" لكانت كل هذه المنظمات والاتحادات والهيئات والجمعيات، أدانت بالمثل قصف طيران التحالف منشآت مصافي عدن ورأس عيسى النفطية اليمنية، وقصفه الموانئ والمطارات اليمنية، وقصفه الجسور والطرقات، ومحطات الكهرباء والمياه والوقود، وشبكات الكهرباء والاتصالات، والسدود، والمدارس والجامعات والمستشفيات، بل حتى الآثار والمقابر!
يحدث هذا النفاق العلني، رغم علم النظام السعودي ودول تحالفه ومشائخ وجماهير "فزعة التضامن" مسبق الدفع، أن "هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم" كما جاء في الأثر النبوي، وأن اليمنيين كانوا أول من كسا الكعبة وجعل لها باباً وإقليداً (مفتاحاً) وسدنة لخدمة حجيج بيت الله، وظلوا على رعايته حتى سُلب الأمر منهم بالقوة واستغلال دبيب الضعف في دولتهم وخضوع الأراضي المقدسة لنظم سياسية.
من المعيب والمبتذل جداً، إخضاع القواسم المشتركة والثوابت الجامعة للأمة العربية والإسلامية، كالأراضي المقدسة، لنظم سياسية، وتوظفيها لاكتساب هالة قدسية زائفة، وتسييسها لخدمة مصالحها وتصفية حساباتها مع كل من يختلف عنها أو معها سياسياً أو فكرياً، ولا يتبعها وينقاد لها إمعياً. هذا أمر قبيح من الناحية القيمية، وبشع من الناحية المعنوية، ومزرٍ ومخزٍ من الناحية الأخلاقية، وبالطبع مبتذل ورخيص من الناحية السياسية.
وإذا كان النظام السعودي وتحالفه من العربان ومن والاهم من القطعان، بعد فشل ترسانة وسائل إعلامهم في تعميم البهتان، يمهدون بهذا الهذر الشيطاني وهذه الادعاءات لمثل هذه الحماقة، ويحضرون بها لقصف مكة أو بيت الله الحرام، فقط لتدعيم عناوين حربهم، وأنها "لحماية دين الإسلام والأراضي المقدسة والعروبة من اليمنيين -أو من يسمونهم- الحوثيين"، وينعتهم خطابهم الديني بـ"المجوس الروافض" في آن معا..
إن كان هذا هو دافع هذا التسويق لمثل هذه المزاعم، فإن مثل هذا الهدف (قصف مكة أو بيت الله الحرام) لا يستبعده أي عاقل من هذا التحالف قياساً بجرائمه بحق اليمنيين المدنيين الأبرياء، وشعوب الأمة إجمالاً في سوريا وليبيا وتونس والعراق، وجنايته بحق الدين نفسه، تمويلاً لنفاق التسييس وشقاق المذاهب وصراع الطوائف وتأجيج النوائب وتعميم المصائب، وتوسيع الفرقة بين صفوف الأمة، وتعميق التباغض والتغابن!
لم يعد كل ذي بصر وبصيرة يستبعد أي شيء في عالم اليوم المقلوب رأساً على عقب، بعد مسخ القيم ونسف الثوابت وقصف الضوابط وخسف المبادئ وإسقاط النظم والمواثيق والقوانين الدولية والقُطرية، لصالح تسيد إرادة القطب الواحد ومراكزه الإقليمية، كيفما كانت هذه الإرادة، صواباً أم خطأً، على حق أم على باطل، خيراً أم شراً. كل شيء صار وارداً، ومتوقعاً، وشواهد الحال تجعل القبح سيداً للعالم وأنظمته ونظامه العالمي.
عالم اليوم مرعب بتحوله إلى عالم الغاب وشريعته، بعد انتهاكات قوى النفوذ فيه والهيمنة كل الحرم، واقترافها أبشع صنوف الجرم، ومسخها كل القيم، وشرائها بالمال عديد الذمم. ذلك يقين يوازي يقين كل مؤمن بأن كيدها وتآمرها سيرتد في نحورها، فالله كفيل بذلك وفضح ما تكيد، وجعل ذلك نهاية لبغيها وآخر طغيانها في نخر ملة المسلمين وتمزيق لحمة العرب وتدمير أوطانهم ومقدراتهم وتفخيخ نسيج مجتمعاتهم بالفتن، لضمان هوانهم وإذلالهم.
لكن المثبت رغم كل محاولات تزوير الحقائق وتحوير الوقائع وتزييف الرأي العام؛ سيظل أن اليمنيين أهل الإيمان والحكمة، والمروءة والنخوة، والعزم والهمة، والبأس والقوة، بشهادة "من لا تأخذه سنة ولا نوم" رب البيت الحرام، ومن "لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" رسول الله للعالمين؛ ولم يقصفوا حتى الآن أحياء سكنية أو مرافق مدنية سعودية، ولن ينجروا للاعتداء بالمثل، وستظل أهدافهم المنشآت العسكرية وتلك التي تمولها.

أترك تعليقاً

التعليقات