نهج السقوط!
- ابراهيم الحكيم الثلاثاء , 10 مـارس , 2020 الساعة 7:43:21 PM
- 0 تعليقات
إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يستمر سقوط سلطة «الشرعية» كنتيجة حتمية لتجاوزها الشرعية.. شرعية التزام الدستور والنظام والقانون، بل حتى سنن الخليقة وقواعد المنطق والعقل. فالأخير وحده لا يقر أية شرعية لسلطة تستبد شعبا أو تبتزه بمقومات عيشه ليعترف بها، لا يعقل أن يكون امتهان الشعب مشروعا، ولم يحدث أن كانت سلطة في أي زمان ومكان شرعية وهي لا تعترف بحق من حقوق الشعب، وإن جعلت منها شعارات تدحضها ممارساتها العدمية بل الإجرامية!
لم يستفد هادي وتجمع الإصلاح (الإخوان) من سقوطهم السريع والمريع في 2014، بعد 4 سنوات من الرسوب في اختبار الحكم، شهدت تدهورا مزريا للأوضاع وانحسارا فاجعا لوظائف الدولة على صعيد تقديم الخدمات العامة وتوفير مقومات العيش الهامة وأسباب التعايش اللازمة، على نحو بدا متعمدا في تأجيج الخلافات والإدارة بالأزمات بهدف التمديد، بدلاً من إدارة الأزمات لأجل التبديد.
النهج نفسه مضى فيه هادي وسلطة «الإخوان» في الـ85٪ من مساحة البلاد المسماة «محررة»، رغم أنها شبه مدمرة، وتخضع لنفوذ قوات ودول خارجية ومليشيات فصائلها المتناحرة، ويطغى عليها الانفلات العام نفسه وتعميم الفوضى الهدامة ذاتها التي جملتها الولايات المتحدة افتراء على المنطق باسم «الفوضى الخلاقة» في سياق إعلانها المبكر عن «دعم موجة تغيير تبدل وجه المنطقة»!
لم تعتبر أدوات «الربيع العبري» من تبعات نهج حكمها المعتمد فرز الشعب إلى شُعب -بضم الشين- وإقصاء كل مَن ليس معها أو لا يوافقها ولا يتفق معها، لدرجة إقصاء جل الشعب وإسقاط إرادته، وحقه في اختيار من يحكمه، بل حتى إسقاط حقه في الاحتجاج على اختلال الحكم واعتلال مؤسسات الدولة وانحلال وظائف الحكومة واهتبال مقدرات الدولة علنا! إسقاطه تماما وتجاهله كليا.
تكرر النهج نفسه بالفجاجة ذاتها والصلف عينه في محافظتي الجوف ومأرب. ولو لم يكن من شاهد على استخفاف هذا النهج بالشعب وجرأة احتقاره إلا منع إمداده بالطاقة الكهربائية من محطة مأرب الغازية ومنع إمداده بالمشتقات النفطية من مصفاة مأرب، وابتزازه بتموين الغاز المنزلي، علاوة على اهتبال إيرادات الدولة والتعيينات والمواقع الوظيفية؛ لكان شاهداً كافياً على حماقة هذا النهج وخسته!
يضاف إلى هذا، الاعتساف الفج في التسلط، والقمع الأهوج للحقوق والحريات على نحو أحال مدينتي الحزم ومأرب إلى أكبر معتقلات في عموم البلاد، خارقة للقانون ومارقة على القيم الإنسانية، تسلب آلاف المواطنين، إن لم يكن عشرات الآلاف، حرياتهم، وتمتهن كرامتهم لمجرد انتقاد حال، أو مطالبة بامتثال نظام، أو مجرد عبور من منفذ على خلفية لقب أو منطقة أو وجهة تأشيرة سفر!
وبالطبع هناك ما بتنا نسمع عنه ونرى مشاهده بالصوت والصورة، من جرائم يندى لها الجبين وجلا وخجلا، بحق المحتجزين المدنيين وأسرى الحرب، إهانة وإذلالا، ظلما وابتزازا، تعذيبا وقتلا. جرائم عدة، موثقة بالصوت والصورة في مقاطع فيديو مشهورة، وما خفي منها بالتأكيد أعظم وأطم، وجميعها صادمة وباعثة على السخط والنقمة، والغضب والثورة، بدفع من الفطرة الإنسانية السوية قبل الشرائع السماوية والتشريعات البشرية.
مثل هذا وغيره مما لم نذكره، وهو كثير وباعث على الكمد والكبد، يُسقط أية سلطة في أي زمان ومكان وتحت أي ظرف كان، ويعجل بانهيارها وسقوطها إن كانت تمارس بعضا من هذه الفظائع غير المسبوقة في ظروف حرب، مهما كانت محصنة بالمعسكرات والطائرات الحربية. يغدو سقوطها حتميا، لأنه سقوط قيمي وأخلاقي وسقوط تشريعي وشرعي، قبل أن يكون سقوطا عسكريا في معارك ونزال حربي.
هذا، بالطبع، لا ينفي عوامل التفوق العسكري في المعارك رغم فارق العتاد والعديد، بين أطراف الحرب بما لا يقاس. على العكس، يؤكد ما سلف ويعززه، فهو يؤكد فساد «السلطة» وانكبابها على جني ثروة خاصة، والتزامها بالولاء للجماعة والعملة، واتخاذها من الحرب، ودماء وأرواح ومعاناة الأبرياء، حرفة ووظيفة، غاية وتجارة، ويحيل عوامل التفوق العسكري في العتاد والعديد إلى أسباب خسران وهزيمة.
واهم أو يحاول إيهام غيره من يتحدث عن «مؤامرة» لإسقاط «سلطة» بهذا النهج وهذا الفساد، فمثلها لا يحتاج سقوطها إلى «مؤامرة» ولا تستقيم معه شماعة «الخيانة». الغش من الداخل والسوس ظاهر وباطن، والسقوط حتمي وليس غريباً أو مفاجئاً. وسيتكرر الأمر حتى يشمل عموم اليمن، فالحكم في عُرف الشعوب لمَن يضبط شؤون المحكومين بالعدل ويخدمهم بتلبية احتياجاتهم وفي مقدمها الأمن والعدل والحرية والكرامة والاهتمام بتوفير عيش أفضل.
أما والحال على النقيض، فقد كان طبيعيا، أن يتخلى الشعب، السواد الأعظم من اليمنيين وليس شُعبا فيه، عن سلطة «هادي والإخوان» وهي تنهار وتسقط. وأن يستمر في التخلي عنها وهي ترتهن للخارج وتخضع له وتبحث عن العودة إلى الحكم بأية وسيلة وأي ثمن كان، حتى ولو كان ركاما من عظام الشعب وأنهاراً من دمائه وأكواما من جثث موتاه، قتلا ومرضا وجوعا وقهرا وكمدا. وهو ما حدث في عموم اليمن منذ 2012 وحتى اليوم، وآتى أكله في مديرية نهم وفي محافظة الجوف، ويحدث تباعا في مأرب.
المصدر ابراهيم الحكيم
زيارة جميع مقالات: ابراهيم الحكيم