فروق ومروق!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

تؤكد الأحداث أن اليمنيين، كل اليمنيين، أشداء أقوياء وأهل حرب بامتياز، وأن الحسم في معاركهم يظل رهن دوافع الحروب التي يخوضونها ومدى الإيمان بداعيها وغايتها، وكيف أن مدى مشروعية كليهما كانت ولاتزال مقياس الفروق بين أطراف الحرب والمروق أيضا على سننها وأسنتها. ولعل أقرب مثال تطورات المواجهات في مأرب والجوف ومتغيراتها المتسارعة.
حرب الجوف ومأرب ونهم أو ما سميت عملية "البنيان المرصوص"، تؤكد تفوق جبهة الداخل على جبهة تحالف الخارج، وتثبت باطل التدخل الخارجي، وأنه لم يكن في أي زمان ومكان في صالح أية دولة أو شعب. مثلما تثبت أن بتر يد الخارج كفيل بلأم أوصال الداخل وأشلائه وتعافي جراحه.
الحرب الواسعة/ العملية النوعية تؤكد أيضاً أن العبرة ليست في الكم بل الكيف، وليست في الأعداد بل الإعداد، وليست في الإمداد والعتاد بل في الاستعداد والمعاد.. كما أنها تؤكد للخارج أن الحسم ليس في الانقياد بل الاعتقاد، ولا يعول فيه على امتلاك المدفع وحده بل على المدافع.
أظهرت العملية إمكان الهجوم على مناطق سيطرة تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي البريطاني وأدواته، وأن العجز لا يبدو سبب تأجيل ذلك بقدر ما هو غاية حقن الدماء اليمنية، وعزز هذا تجميد التقدم صوب مدينتي مأرب والحزم بعد بلوغ مشارفهما، وإفساح المجال أمام مفاوضات سلام. 
على أن قيادة العملية أثبتت أيضا للداخل والخارج أن حسم الحرب يتطلب إدارتها في الخنادق وليس عبر "الواتس آب" من الفنادق، وأن الأخيرة مقر تجار حروب أثبتوا امتهانهم الحرب بغية التربح والارتزاق، وأنهم مجرد بيادق بيد من نفخ في كير الحرب ويمولها ويغذيها بالسلاح لتحقيق أطماعه.
وبقدر ما أظهرت العملية انحياز موقف قبائل مأرب والجوف ونهم لصالح اليمن ضد أجندة تحالف الحرب السعودي الإماراتي؛ فإنها أيضا أظهرت فشل دعاية التحالف في نسف القواسم المشتركة بين اليمنيين وخسف الثوابت الوطنية، وتعميم تزويره للمفاهيم وإفساد أمواله لقيم الانتماء والولاء.
كما أن مآلات عملية "البنيان المرصوص" تؤكد كما سابقتها "نصر من الله"، أن الحرب ليست أهلية، بل حرب تشنها وتغذيها قوى خارجية لأجل مطامعها، وإن جندت في صفوفها يمنيين، تظل أجندتها وأموالها وأسلحتها خارجية، والتصدي لها ليس موجها ضد الداخل بل الخارج وأدواته.
لذلك فإن الانتصار في العملية ليس على مأرب أو الجوف وأهاليها، بل على مخططات أضحت علنية لقوى الهيمنة والتسلط الراعية للحرب والمشرفة عليها ومن تديرها فعليا وأدواتها الإقليمية. وانتصار اليمن على عواصف تدمير مقدراته وتفتيت قدراته وتمزيق نسيجه وتفكيك كيانه الموحد. 
تلك حقيقة الانتصار. أن ما بناه تحالف الحرب في 5 أعوام سقط وانهار في 5 أيام. وهذا يؤكد هشاشة الباطل ومتانة الحق، وأن النضال يستدعي أولا التحرر من السلاسل والأغلال، فموازين القوة قد تتغير زيادة ونقصانا لهذا الطرف وذاك، لكن وزن القضية يظل ثابتا ويرجح كفة من يؤمن بها. 
تبقى الإشارة إلى أن الاحتفاء الرسمي والشعبي بالعملية خلا من نبرة التشفِّي، وغلب عليه تأكيد المستهدف بها، والدعوة للاتحاد لأجل يمن حر مستقل، وإثبات مقدرة اليمن على التعافي سريعاً، وأن دوام الاختلال والاعتلال من المحال كما هو الاستغفال لا يدوم وإن صال، والاستغلال وإن جال، والاحتلال لا يدوم وإن طال.

أترك تعليقاً

التعليقات