أم المعارك
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

أعادني تجديد قمة هرم السلطة حديث "مكافحة الفساد" وإعلانها الحرب عليه وتدشينها "معركة مفتوحة ضد الفساد"، إلى سنوات من البحث عن نتائج "مكافحة الفساد" في بلادنا، وتبدد آمال عريضة ظلت توقد فيّ حماسا جامحا للإسهام في خلاص البلاد من هذه الآفة، قبل الخلوص إلى نتيجة مفادها أن البلاد مبتلاة بمحاباة الفساد لا مكافحته!
ظل المارق على الأنظمة والقوانين في مختلف مجالات الحياة "يُخالف ليُعرف"، ويحظى بتقدير مجتمعي وحكومي، ينعت بأنه "رجال أحمر عين" ويُضرب به المثل في ما ينبغي أن يكون عليه المرء "أحمر عين مثل فلان". وظل الناهب للمال العام ومن يثرى فجأة ثراء من عثر على "مغارة علي بابا" يحظى بتوقير المجتمع وحفاوته لا بنبذه وازدرائه!
لا أحد يسأل: من أين لك هذا؟! لا مجتمع ولا سلطات رقابة ومساءلة ومحاسبة. بل على العكس صار السؤال: ولماذا لا يكون لك هذا؟! أما الجواب فظل منعدما، إلا من إجابة وحيدة منقوشة بخط جميل على حجر فخيم في واجهات القصور والشركات: "هذا من فضل ربي"، كما لو أنه إقرار وشكر لربهم المجيز لهم فسادهم "إبليس".
في المقابل، ظل الحديث عن الفساد وتوجيهات وبرامج وحملات مكافحته، تجعل من الفساد كما لو أنه "جني" خفي، يعصى حصره وضبطه، رغم أن نتاج فعله محسوس ملموس ومُعترف به أيضا مجتمعيا وحكوميا. وأتذكر أن هذا كان خلاصة تحقيق لي نُشر في بداية الألفية بعنوان "هل آتاك حديث الحافلة؟!".
مازال الفساد يعيث في بلادنا، أخلاقيا وقيميا، مجتمعيا وحكوميا، إداريا وماليا وسياسيا، إن لم يزد أضعافا منذ جائحة "الفوضى الهدامة" التي صدرها الغرب بوصفها "فوضى خلاقة"، وينزع ما تبقى من خجل العياب ووجل العقاب. وإن كان هذا التضاعف أجلى في مناطق سيطرة تحالف الحرب وحكومة "الشرعية".
لكن هذا لا يعني الاستسلام للفساد، قدر ما يستدعي تجاوز الالتزام الشخصي بالامتناع عن إعانته وأهله وعن السكوت عليه ما أمكن، إلى إحياء الأمل في أي توجه حكومي لمكافحة الفساد والتفاعل معه بكل ما يمكن من نصح وتوعية، ورصد ومراقبة، وإبلاغ ومواجهة، عشماً في كبح جماح تفشيه وتمدد حال التعايش معه مجتمعيا.
ولعل مما يبعث على الأمل في إعلان رئيس المجلس السياسي تدشين معركة مفتوحة مع الفساد، هو الإقرار بأن الفساد الإداري والمالي عدوان موازٍ لعدوان التحالف على اليمن واليمنيين. فالحاصل أن الفساد في الظروف الطبيعية اعتداء على حقوق المواطنين بغير وجه حق، مادية كانت أو معنوية، فكيف في ظروف الحرب؟!
كذلك، كان موفقا إعلان معركة مكافحة الفساد في رهانه على إبلاغ المواطنين عبر أرقام مجانية عن ممارسات الفساد أو الابتزاز والاستغلال وإرغامهم على دفع الرشوة. لكن من المهم بجانب التفاعل مع البلاغات إيجاد آلية مرنة لفحصها وإثبات صحتها، وإيجاد الحماية الكاملة للمبلغين من تبعات الإبلاغ، ماديا ومعنويا.
ومع أن جهة تلقي البلاغات كان يفترض أن تكون مكتب النائب العام لا مكتب رئاسة الجمهورية، إلا أنه من المهم وضع ضوابط تمنع المكايدات وتصفية الحسابات، ووضع إجراءات تفضح المزايدات وتكبح المراوغات وجماح المناورات. والأهم إيجاد خطوات عملية وتحقيقات فعلية ومحاكمات علنية لاستعادة الثقة بجدية التوجه. 
المهمة شاقة، لكنها ليست مستحيلة قطعا، تقتضي الإخلاص بوصفه السبيل للخلاص، ولا بأس من التذكير بأن "المال السايب يشجع على السرقة"، وأن "غياب العقاب يؤمن النهاب"، وأن انعدام الرادع يفرض الانصياع للفساد. وهذا يستدعي: رقابة، مساءلة ومحاسبة، محاكمة ومعاقبة، بنزاهة ناجعة، وشفافية كاشفة، وعلانية رادعة.

أترك تعليقاً

التعليقات