إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يعيش تحالف عدوان السعودية والإمارات، ومن ورائهما أمريكا وبريطانيا، الرمق الأخير؛ لكنه مازال يحتضر، يُمني نفسه بالحياة، ويناور للخروج بأقل الخسائر وأكبر قدر من المكاسب. يسعى إلى تجنب خطر استهداف منشآت النفط السعودية الإماراتية، بإظهار انسحابه عسكرياً من اليمن وتقديم نفسه وسيطاً سياسياً لإنهاء الحرب، وداعماً لمفاوضات تنتهي بتسوية سياسية تضمن دوام مصالحه في اليمن، وبالطبع نفوذه ووصايته على قراره، كما كان قبل 21 أيلول/ سبتمبر 2014.
هذا فعلا ما ينشده تحالف العدوان ويسعى إليه جادا هذه المرة، إنما ليس صادقاً، من وراء إسقاط ذريعته الممثلة في «شرعية هادي»، وتبعا إنهاء تحالفه العسكري لدعمها. يريد الظهور أمام المجتمعين الدولي والمحلي، بمظهر «وسيط السلام والداعم السياسي والاقتصادي لإنهاء الحرب في اليمن ومعاناة اليمنيين»، التي أمعن في إحداثها وتشديدها بكل ما أوتي من أدوات إجرام وعدوان وتجبر وطغيان، وما يزال.
يفعل تحالف الإثم والعدوان هذا بعدما أحس وجع الردع، وأدرك يقيناً خطر الاستمرار في المقامرة وتعاظم حجم المخاطرة قياساً بعِظم حجم الخسارة؛ خسارة روحه وقلبه ممثلين بالنفط ومصافيه ومحطاته وموانئ تصديره. وحده الردع أرغم تحالف العدوان على مراجعة حسابات الربح والخسارة من استمرار عدوانه الإجرامي على اليمن، ودفعه إلى إعادة ترتيب أوراقه وأدواته وتوحيدها بـ«مجلس قيادة»...
نجحت عمليات «كسر الحصار»، في كسر تجبر دول تحالف العدوان، جعلتها في مواجهة مع خياري استمرار غرورها وغيها ورهانها على الأموال وشرائها السلاح والذمم والمواقف والمرتزقة وشهود الزور، وبين خسارة مصدر هذه الأموال بالمرة، إثر تلقيها لأول مرة تهديدا لم يكن في الحسبان، استدعى مراجعة سريعة للحسابات وتغييرا عاجلا في استراتيجية العدوان، ووسائل تحقيق أهدافه وأطماعه.
استشعرت دول تحالف العدوان خطر «تفويت فرصة» مبادرة صنعاء للسلام. استجابت لعرضها (إيقاف هجمات الرد المشروع واستهداف منشآت النفط في السعودية، مقابل التزامها بإيقاف عدوانها الغاشم وغاراته الجوية، ورفع حصارها الظالم، وسحب قواتها الغازية من أراضي اليمن، واحترام استقلال اليمن وسيادته)، وعمدت للقبول بالمبادرة جزئيا والدفع بوساطات لإقرار هدنة لمدة شهرين قابلة للتجديد.
لكن تحالف العدوان يناور بهذه الخطوة. يريد تقديم طُعم لجر سلطة اليمن الحر بقيادة أنصار الله إلى الحوار مع «مجلس قيادة» قوى أدواته، والتوصل لاتفاق سلام وتسوية سياسية لتقاسم الحكم تحت وصاية التحالف. في الوقت نفسه يسعى لاستدعاء ضغوط إقليمية ودولية على أنصار الله للقبول بذلك، عبر إظهار رفضها أمام المجتمعين المحلي والدولي، كعائق أمام إنهاء الحرب وإحلال السلام.
هناك تغير في توجه دول تحالف العدوان يبدو جاداً، إنما ليس صادقاً أبداً. ما تزال مرارة الهزيمة تدفعها للبحث عن حيلة تحلي بلع الهزيمة، وتحفظ ماء الوجه، وتضمن استمرار نفوذها ووصايتها على اليمن، عبر مناورة أخيرة تتضمن إغراءات إيقاف الحرب ورفع الحصار والاعتراف بسلطات صنعاء، وفي الوقت نفسه، تحضيرات واسعة لمعركة أخيرة تخوضها مليشيات قواها مجتمعة.
في هذه المناورة الأخيرة، تضع دول تحالف العدوان كل ثقلها في السعي إلى إخضاع اليمن مجدداً لتبعيتها ووصايتها كما كان قبل 21 أيلول/ سبتمبر 2014، عبر تخيير سلطة صنعاء بين خيارين: إما الحوار والاتفاق مع قوى «مجلس» أدواته على شراكة في الحكم تحت وصايته، وإما استمرار الحرب في عموم اليمن وتواصل الكرب والخراب وإزهاق الأرواح وسفك الدماء وإعدام مقومات العيش، لسنوات.
يظل المتغير الأبرز هو اتباع تحالف العدوان منهجاً ناعماً ومخادعاً أمام المجتمعين الدولي والمحلي، يخلع ظاهرياً ثوب المقاتل العسكري في الحرب - مع استمراره في تمويل ودعم مليشيات أدواته، ويرتدي ثوب «الوسيط السياسي والداعم السخي اقتصادياً وإنسانياً» لإنهاء الحرب وإحلال السلام وإنعاش الاقتصاد جزئياً دون تعافيه، وتخفيف معاناة اليمنيين، برفعه أدوات خنقهم ومفاقمة معاناتهم.
هذا ما ينبغي أن يعيه الداخل اليمني في جميع أنحاء اليمن، أكان في المحافظات والمناطق الحرة من نفوذ تحالف العدوان أو تلك الخاضعة لنفوذ قواته ومليشيات أدواته. ينبغي أن يتصدر هذا الوعي المجتمعي في هذه المرحلة: أن السلام يكون بانتهاء العدوان وشتى أشكال تدخل دول تحالفه، واستقلال اليمن بإرادة شعبه وقراره وسيادته. وصدق الحق القائل: «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين».
المصدر ابراهيم الحكيم
زيارة جميع مقالات: ابراهيم الحكيم