إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
فجأة صار في اليمن “طائفة نصرانية”، وفجأة أيضا أصبح في اليمن “طائفة يهودية”. ودون مقدمات صار الغرب يتحدث عن “اضطهاد المسيحيين واليهود في اليمن”، ويعقد منتديات دولية لتبني إشراكهم في مفاوضات إنهاء الحرب ودعم تمكينهم من حقوقهم. هذا ما يريده الغرب، لكن الغريب هو موقف قطيع اليمنيين المشاركين في هذا المنتدى وانقيادهم التام! انقياد من “باع نفسه على بياض” كما يقال، دون قيد أو شرط أو مجرد التفكير في التفكير، فكيف باتخاذ القرار والتدبير، ليس واردا قطعا!
ظهر هذا علانية، في ما يسمى “منتدى اليمن الدولي” المنعقد في العاصمة السويدية ستوكهولم برعاية الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن، هانس غروندبيرغ. لا أحد ضد المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، المكفولة للجميع بموجب الدستور. لكن لا أحد أيضاً ينبغي أن يقبل أو يؤيد الاستقواء بالخارج والارتباط به وأجنداته، بزعم “نيل حقوق المواطنة”. ينطبق هذا على جميع اليمنيين، بمن فيهم من يدينون بالنصرانية أو اليهودية، إن كانوا موجودين بالفعل، يتعين أن يكونوا يمنيين بحق.
المواطن بحق، المنتمي لمجتمعه ويدين بالولاء لوطنه، لا يقبل على نفسه الارتباط بالخارج وأجنداته تحت أي مبرر كان. انتماؤه الخالص وولاؤه الصادق لوطنه، يمنعانه أن يكون أداة أو مطية لإنفاذ مخططات الخارج. هذه المخططات لم تعد سرا، وباتت معلنة، ومعروفة للقاصي والداني. ليس في اليمن وحسب بل على مستوى جميع الدول العربية المستهدفة بالتقسيم والتجزئة على أساس معايير إثنية أو ما يسميه الغرب بقيادة الولايات المتحدة “احترام خصوصيات الأقليات القومية أو الدينية أو العرقية”.
لا وجود لأقليات عرقية في اليمن أو أقليات مختلفة عن سائر اليمنيين على أساس معايير قومية أو لغوية أو ثقافية. ولم يكن اليمنيون اليهود المقيمون في اليمن يرقون إلى تصنيفهم أقلية أو طائفة بالمعنى الحرفي، قياسا بعددهم المحدود في أسر محدودة عددا وتعدادا. لكن الغرب سعى منذ بداية الألفية وصولاً إلى “مؤتمر الحوار” الذي رعاه إعدادا وإدارة ومخرجات، إلى الترويج لطروحات “الأقليات في اليمن” والحديث عن “الهويات الخاصة”، وتبني دعم تمكين هذه “الأقليات” وتلك “الهويات الخاصة”!
حد علمي، لم يعد في اليمن أي من اليمنيين اليهود. جميعهم غادروا البلاد منذ سنوات سابقة لاندلاع هذه الحرب العدوانية الحاقدة على اليمن. من بقي منهم عقب الحرب، غادروا هم أيضاً اليمن، ومعظمهم ذهبوا إلى دولة الكيان الصهيوني المحتل والغاصب للأراضي العربية الفلسطينية والمدنس للمقدسات الإسلامية هناك، المعتدي على الشعب الفلسطيني، تشريدا واغتصابا للأرض واعتقالا وتعذيبا وقتلا. هذا يجعلهم في صف الكيان الصهيوني، مؤيدين له ولممارساته العدوانية كافة.
أما النصارى، فلا أعلم أن اليمن به يمنيون يدينون بالنصرانية كابرا عن كابر في زماننا. من ظهروا في المنتدى الدولي إياه، اعتنقوا النصرانية حديثا، وهم قلة لا تقاس ولا تذكر، حتى يتبنى منتدى دولي وبرعاية الأمم المتحدة ما يسميه “حقوق الأقليات المضطهدة في اليمن” أو “النصارى واليهود في اليمن”! حتى ولو كان عددهم قد صار بفعل إغراءات التنصير المشابهة تماما للتجنيد، بالمئات، يظلون دون تسميتهم “طائفة” والمطالبة بتمكين يتجاوز الحقوق المدنية والمجتمعية إلى الطموح السياسي.
المواطنة لا تُقاس ولا تُكفل بنظام الكوتا (المحاصصة) وإقرار نسب تمثيل مسبقة للأحزاب والمكونات المجتمعية على أساس النوع (الجنس) والفئة (العمر) والجغرافيا (المنطقة) والمذهب الديني.. إلخ. هذا التمييز عنصري مُنافٍ لمفهوم المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات والفرص المتكافئة في التعليم والعمل والحياة العامة. مثل هذا التمييز الذي أقرته مخرجات “مؤتمر الحوار” اعتسافا، يدمر الأوطان ولا يبنيها، يُعدم “المواطنة المتساوية” والتعايش بسلام ووئام وتكامل، ويؤسس لتقسيمها وتفتيتها.
لا أرى هذا التبني الدولي والأممي لـ”الأقليات والهويات في اليمن” بمنأى عمَّا يخطط لليمن من وراء هذا العدوان الغاشم والمجرم. خصوصا إذا علمنا أن بين مواد “إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية”، إقرار حق المنتسبين لهذه الأقليات في أن “يقيموا اتصالات حرة عبر الحدود مع مواطني الدول الأخرى الذين تربطهم بهم صلات قومية أو إثنية وصلات دينية أو لغوية، دون أي تمييز” وفي “إنشاء الرابطات الخاصة بهم والحفاظ على استمرارها”.
يعزز انعدام النوايا الحسنة من وراء هذا التبني الدولي والأممي، أنه منعدم مع أقليات وهويات خاصة في الدول الغربية، تعدادها بمئات الآلاف وتصل إلى ملايين، لكنها لا تتمتع بكامل الحقوق السياسية التي تنادى بها لمئات من الشباب في اليمن جرى تنصيرهم بتمويل سخي. الأقليات والهويات في المجتمعات الغربية مضطهدة وتمنع من صون خصوصيتها الثقافية واللغوية والدينية بما فيها اللباس، بدعوى المساواة والاندماج في المجتمع! علاوة على حظر هذه الدول مجرد التفكير بحكم ذاتي!
إنهم يمكرون بانكبابهم على حبك مبررات واهية وذرائع باطلة لإنفاذ مخططهم القديم الجديد. مخطط “الشرق الأوسط الجديد” القائم على تقسيم دول المنطقة إلى أقاليم فدول مستقلة بزعم “احترام خصوصيات الأقليات وحقوقهم”. الأقليات العرقية والدينية، أو ما يُعرف باسم “إثنينك” إخراج مخططهم الجديد لليمن. يديرون “الأدوات” ويلقنونهم ما ينبغي أن يفعلوا، هناك في ملتقيات أحدها عقد في ستوكهولم بالسويد والآخر في هيلسنكي بفلندا، لكن يقيننا قول الحق: “يمكرون ويمكر الله وهو خير الماكرين”.
المصدر ابراهيم الحكيم
زيارة جميع مقالات: ابراهيم الحكيم