إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تقف أطراف الصراع في اليمن، الداخلية والخارجية، اليوم على قاع منبسط مكشوف الجوانب ناصع الوضوح كما البلاط، يسهل معه للجميع، بعيد الرؤية وضيق الأفق، تشخيص حقيقة دوافع هذا الصراع وخلفياته وأهدافه، بمنأى عن الدثارات الذرائعية والتبريرات الدعائية الواهية والمتهاوية على الأرض ووقائع مجريات الصراع.
قطعا، لا يخلو الصراع من دافعية الحكم لأطرافه الداخلية وتحت مظلة النظام نفسه (الجمهوري)، ولكن برؤى تبدو متنافرة ومتصادمة لدرجة تبرز مكامن الاختلاف بينها والخلاف المغذي صراعها - مع الأسف - في ثوابت عامة، لازمة لقيام الدولة - أي دولة - وسابقة لنوع نظامها السياسي، ونعني بها سيادة أركان الدولة الأربعة: الأرض، الشعب، الحكم (الدستور والنظام)، والاستقلال (القرار والسيادة).
يتجلى في مجريات الصراع منذ بداياته مرورا بمسار احتدامه سياسيا فعسكريا وانتهاء بمخرجاته الماثلة، أنه داخليا يدور بين رئيس وحكومة غير منتخبين شعبيا، ومضت في طلب الوصاية، تتودد، ولتفكيك الدولة وجيشها ومؤسساتها تتعمد، واختلاق واقع اضطراب وانفلات عام بالانهيار يهدد، وتمزيق البلاد إلى أقاليم يفرض حاجة أن تتوحد!!.
في المقابل، حركة محلية توافق موقفها مع موقف السواد الأعظم بمن فيه خصومها فكريا، وتصدت لمسار التفكيك المتعمد، وحال استقرار وسلم مجتمعي يتبدد، وخطر تقسيم واقتتال يتهدد، بفعل وصاية خارجية تتمدد وتنكب على دعم تفتيت الدولة وجيشها وأمنها وتغذية الاضطراب والانفلات التام والانهيار العام وتشارك علنا لا سراً في وضع مخطط التقسيم لليمن وتقديمه خلاصا وحيدا!
لا يستطيع متابع حصيف إغفال واقع أن جوهر الصراع في اليمن يتمحور في افتراق أطرافه المحلية على محك السيادة طلبا وتفريطا، والاستقلال تحقيقا وتبديدا. تؤكد هذا مجريات الصراع منذ بداياته، ولا تنفك مآلاته تعززه بالشواهد الجلية والوقائع البينة، وعلى نحو يجدد باستمرار حقيقة أن الحل كان ولا يزال في التسليم باستقلال اليمن وسيادته وتحييدهما عن الاختلاف السياسي والخلاف بشأنهما.
تلك خلاصة عامة ومحورية يخلص إليها أي متابع أو مراقب للشأن اليمني والصراع في اليمن. إن السبب الفعلي للصراع يكمن في سلب السيادة ونزع استقلال اليمن من وصاية قوى إقليمية ودولية تنفذ أجندات لم تعد سرية ولا خافية، قدر ما صارت ظاهرة ومعلنة، وعلى نحو يجعل من ظهور هذه الأجندات والإعلان عنها من أبرز مخرجات الصراع الماثل والحرب الدائرة.
أهداف «إنهاء الانقلاب وإعادة الشرعية واستعادة الدولة» المعلنة لتبرير التدخل العسكري الإقليمي والدولي في اليمن، سرعان ما أكدت مجريات الحرب أنها غير حقيقة وليست الدوافع الفعلية لهذا التدخل، بقدر ما ثبت أن تحالف الحرب يدرك قبل غيره ألا شرعية دستورية أو شعبية لهادي وحكومته التي زعم تدخله لدعمها وإعادتها، ولهذا فقد انقلب عليها هو ودعم فعليا تقويضها وتمويل وتسليح مليشيات متمردة عليها في جنوب البلاد.
الحال نفسها مع هدف «استعادة مؤسسات الدولة في اليمن»، لم يستعدها التدخل الخارجي، لأن ذلك لم يكن هدفا فعليا له، وعلى العكس عمد تحالف الحرب في مناطق نفوذه وسيطرته إلى استكمال تفكيك مؤسسات الدولة وتدميرها والإجهاز على مظاهر الدولة اليمنية، سياسيا وإداريا وعسكريا واقتصاديا، بل وحتى شعبيا، باستمراره في إلغاء إرادة اليمنيين وإنكار حقهم في اختيار حاكمهم، وانتهاك سيادتهم، دماء وأرواحا، معاشا وكرامة، حقوقا وغاية.
كما ثبت أن دافع التدخل ليس «إنهاء الانقلاب على الدولة» في اليمن، بل فعليا «إبادة الدولة»، ودعم كل ما يخدم ذلك، ومعاداة كل ما يعترضه، وأن ما يسميه «انقلابا» و»مليشيا انقلابية»، يحظى بشرعية شعبية تتجاوز «سلطة الأمر الواقع» إلى واقع احتفاظها بشكل الدولة نظاما ودستورا وقوانين، وسلطة مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وواجباتها تجاه الدولة دفاعا وصونا، وتجاه الشعب خدمة ورعاية، في أقصى المتاح، جراء ظروف الحرب والحصار.
الحاصل -إذن- أن مفتاح الانفراج في اليمن واستقراره كان ولا يزال في كف يد التدخلات الخارجية وأدوات تنفيذ أجنداتها، واستعادة اليمن استقلال قراره ومساره واستعادة سيادته كاملة، برا وبحرا وجوا، وترك شعبه يُعمل إرادته الحرة في اختيار حكامه، وأي طرف داخلي يقول غير ذلك فهو لا يستحق الاستماع له، تماما كما لا يحق لأي طرف خارجي أن يتدخل أصلا.
المصدر ابراهيم الحكيم
زيارة جميع مقالات: ابراهيم الحكيم