إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
ست سنوات مرت واليمنيون يواجهون أقسى حملة ترويض، تمولها أغنى الدول وأغبى الحكام في المنطقة، وتنفذها وترعاها أطغى الدول المستكبرة وأبغى الأنظمة المتسلطة في العالم، وتصفق لها أخنى الدول والأنظمة التابعة الخانعة، وما راض هذا الشعب ولا ارتاض، ولن يرتاض الخضوع أو يرتضي الخنوع، بطبيعته الصَلَدَة وشخصيته الآنِفَة، كل ما قد يمس كرامته وشرفه وحريته.
نعم، ست سنوات من حرب ترويض اليمنيين، يشنها تحالف عسكري دولي تتصدر واجهة قيادته «الرياض»، التي لم تكن تسميتها من جمع روضة، لأنها لم تكن يوما أرضاً خضراء أو حديقة غناء، بل أرض جدباء، وجاءت تسميتها من طبيعة المهمة المنوطة بها، مهمة «الرائض» و«المروض»، المذلل والسائس لشعوب المنطقة لتنقاد صاغرة، تؤدي باستسلام تام ما تؤمر به وتوجه إليه.
معلوم هنا، أن ما يسمى اليوم «الرياض» كان اسمها «الدرعية»، وقامت بمنطقة تدعى عبر التاريخ «نجد». وتجسد سياساتها منذ تأسست قبل أقل من 100 عام، أن تسميتها «الرياض» جاءت من جمع رَضْوَة، التي تعني الرضا والقبول لتغدو عاصمة القبول بالتبعية والرضا بالهيمنة وترويض المنطقة للقبول بالذل والرضا بالخضوع وارتضاء الاستكانة. ويقال رَوَّضَ فلانٌ: لَزِمَ الرِّياضَ.
هذه ليست مصادفة، فمعاجم اللغة تبين أصل لفظ «الرياض» على هذا النحو، وتقول: رَاضَه رَوضا ورِياضاً: ذَلَلَّهُ. وهذا ما يتجلى في واقع الأمة العربية والإسلامية. وكيف أن شعوب المنطقة، الأغنى ثروات والأقدم حضارات والأهم موقعاً وممرات، صارت خلال أقل من 100 عام، تنفرد بأنها الأمة الوحيدة بين البشرية التي تدفع من ثرواتها وقوتها لجلاديها، من قوى الهيمنة الدولية!
راهنت دول تحالف الحرب في البدء على الترغيب بالأموال ورواتب «اللجنة الخاصة» لمن كانوا يصنفون «نخب» الشعب وظهر للعيان أنهم ما كانوا إلا وبالا على هذا الشعب وبهم قد نكب لسنوات من الإعلال والاعتلال، والإخلال والاختلال، وإدارة البلاد بسياسات النكال وحكم العباد بسياط الإذلال، وتبعاته من الانحلال لقيم الحرية والكرامة والاستقلال بالقرار واختيار المسار وتحقيق الازدهار.
لكن هذا الرهان فشل، فراهنت على الترهيب بأسراب طائرات خارقة لحاجز الصوت ناهمة لتعميم الموت، بغارات جوية مارقة على الأعراف وقواعد الحرب والتشريعات الدولية لولا السكوت، وقنابل ذكية وقذائف فتاكة وصواريخ مدمرة. وما أفلحت أعتى الترسانات الحربية، في كسر إرادة هذا الشعب، وإخضاعه لأجندة هذه الحرب، وإرغامه على الاستسلام لهول الكرب، المفروض لترويضه.
كذلك هذا الرهان، فشل بشواهد ست سنوات من القصف اليومي والتنكيل الإجرامي، الذي لا يميز بين عسكري ومدني، وبين طفل أو امرأة، وبين مؤسسة ومدرسة، وحديقة ومقبرة، ومنصة صاروخ وحفار بئر، ومستشفى ومصنع، ومعسكر ومعبر، ومطار ومرفأ، وزفاف ومأتم عزاء، ودبابة حرب وحافلة طلاب، وناقلة قمح وقاطرة وقود، وحقل زرع ومرسى صيد، وجبهة حرب وساحة ملعب!
لا تدري علام تراهن دول تحالف هذه الحرب الحاقدة والمجرمة، بقيادة السعودية. إن كانت تراهن على الدول الكبرى وترسانات أسلحتها الحديثة، فقد أظهرت الحرب هشاشة «فخر صناعتها»، وفشلها في كسر إرادة اليمنيين، وكيف تحولت دبابات «الإبرامز» والمدرعات والمصفحات إلى كتل حديدية عاجزة عن مواجهة المقاتلين، وعن الفرار أيضا، واستحالت خردة، سريعة الاشتعال بقداحات (ولاعات).
حتى هذه الدول الكبرى، لم تفلح في إدارة الحرب بكل ما تأتى لها من أقمار اصطناعية، وأسلحة حديثة، وهيمنة عالمية. فهناك من هو أكبر منها، وحرم الظلم على نفسه وحرمه بين عباده، وحرم البغي والطغيان والعدوان، وأبان وهنها وضعفها مع أول ابتلاء لها، بوباء كسر التجبر والغرور، وأبدله بخوف مقيم جعلها تنكفئ على نفسها، وتخسر أضعاف أرباح جبايات هيمنتها ومصانع أسلحتها.
قد يقول قائل، مازال لدى دول تحالف الحرب والعدوان، سلاح الحصار. وقد يكون هذا صحيحا، لكنها تستخدمه منذ بدء الحرب، وقد شحذ همة اليمنيين لاستئناف زراعة أرضهم، وهناك إنجازات تتحقق وتكبر عاما تلو آخر، وصولاً للاكتفاء الذاتي. وأما الوقود، فالله كفيل بالبديل عن مشتقات النفط، ومصادر الطاقة اليوم متعددة، وسيقيض الله ابتكار حلول ناجعة تشغل المستشفيات والمصانع والحراثات.
ماذا تبقى إذن لتراهن عليه دول تحالف العدوان، بعد ست سنوات من استنفاد جميع وسائل الإرهاب والإعطاب، والقسر والقهر، والترويض؟ حتى الأسلحة والذخيرة، باتت تصنع محلياً وبما يكفي للدفاع والهجوم لعشرات السنين، مع توفر ملايين المقاتلين، الساخطين الناقمين الثائرين على تحالف، جسد ومايزال التعاون على الإثم والعدوان، في أجلى وأبشع صوره، مهما حاولت وسائل دعايته تجميل قبحه.
يبقى الثابت، كما تؤكده الحال، أن المآل لهذه الحرب، طالت سنواتها أم قصرت، الفشل في ترويض شعب حر عزيز أبي، شب عن طوق الصمت، وفاض به الصبر، على من كانوا يسمون «نخب الشعب»، وما كانوا نخبة بمعنى صفوة، بل «خمة» وخُبّة بمعنى مستنقع، وخِبّة بمعنى خرقة متقطعة، وخَبّة بمعنى ثلة خداع وغش وفساد وخُبث ولؤم، و»المؤمن غر كريم والفاجر خِبٌّ لئيم»، كما جاء عن الرسول الكريم.
وقد جاء أيضا عن الرسول الخاتم، صلى الله عليه وآله وسلم، قوله: «لا يدخل الجنة خِبٌّ ولا خائن». وفي المثل: «لا أمير القوم بالخِبِّ الخَدع». ولهذا فإن محصلة هذه الحرب، وبعد كل ما كشفته من خيانات ومؤامرات وأسقطته من أقنعة ودثارات؛ ستكون بإذن الله تعالى، هي الفشل في ترويض شعب لا راض ولا ارتاض ولا استراض، ولن يرتاض أو يسترضي أو يرتضي، ولسان حاله سيبقى: لا ارتياض.
المصدر ابراهيم الحكيم
زيارة جميع مقالات: ابراهيم الحكيم