انهيار العظمة!
 

ابراهيم الحكيم

#إبراهيم_الحكيم / #لا_ميديا -

درسنا في صفوف تعليمنا الأولى أن "من حفر حفرة لأخيه وقع فيها"، وحفظنا في صبانا المثل الشعبي اليمني الرائج "آخرة المحنش للحنش"، وخبرنا في حياتنا نماذج عدة لهذا لا تنفك تتكرر أمامنا، وأكاد أرى أكبر هذه النماذج يتحقق بارتداد "الفوضى الخلاقة" على صانعيها ومصدريها.
الولايات المتحدة الأمريكية، التي بشرت بما سمته "الفوضى الخلاقة" أداة لتغيير العالم، وبخاصة المنطقة العربية "الشرق الأوسط"، وإعادة تفصيلها على مقاس مصالح واشنطن و"إسرائيل" وأطماعهما في الانفراد بالهيمنة والنفوذ، واهتبال مقدرات المنطقة، موقعا وثروات وأسواقا، بدأت تعاني من الفوضى.
لا أعني فوضى احتجاجات حركة "احتلوا وول ستريت" التي قمعتها الشرطة بالهراوى والاعتقالات وتقييد الحريات والرقابة على الانترنت والبريد... الخ، الإجراءات المنافية لمبادئ وقيم وشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي نصبت أمريكا نفسها أما لها ووكيلا "رحيما" لتعميمها في "المجتمعات المضطهدة"!
ولا أعني أيضا نذر "الربيع الأمريكي" الذي بدا وشيكا إثر إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية الرئاسية، جراء سخط أنصار مديرة "الربيع العربي" مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، لولا احتواء دوائر القرار الأمريكي (اللوبي الماسوني) الموقف، وإطفاء كرة النار قبل تضخمها.
أعني تجليات انهيار القيم الأمريكية التي تزين دستورها وواجهتها "المثالية" والأنيقة في العالم. انهيار هذه القيم التي جرى لعقود تسويقها كمعايير للحضارة، تجاوز اصطدامها بالسياسات الأمريكية الخارجية الانتهازية والمتسلطة، إلى اصطدامها أيضا بفوضى السياسات الداخلية ووقعها على الشارع الأمريكي.
جاء الرئيس دونالد ترامب ليكشف الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية المركزية وغير المتغيرة بتغير الرؤساء، فخلع عنها القناع الدبلوماسي والوجه الحضاري المثالي لينقل التسلط الأمريكي من خلف الكواليس إلى العلن والبلطجة الأمريكية من تحت الطاولة إلى سطحها، ويقدم الوجه القبيح لأمريكا من دون مساحيق تجميل الميديا.
لا يقتصر الأمر على انهيار تقاليد اختيار الرئيس فريق إدارته والتزامه ببروتوكولات تراعي معايير "تكنوقراط"، بل يتجاوزه إلى انهيار التزام الرئيس بتقاليد رئاسية تحفظ هيبة الولايات المتحدة وواجهتها الحضارية، بما في ذلك انهيار مظاهر الدبلوماسية وحصافة الخطاب السياسي، والاشتباك مع الخارج والداخل بالتعالي والتكبر والتهديد والابتزاز نفسه!
هذا الانكشاف بما جر معه من إشهار لجشع الشره الأمريكي للربح بأي طريقة وأي ثمن وعلى حساب أي قيم أو مثل أو مبادئ، وهوج وهمجية السلوك والمواقف الممكنة وغير الممكنة، المقبولة وغير المعقولة، لجني الأرباح، ابتزازا أو فيدا، تجارة أو سمسرة؛ أحدث حالة صدمة تتمدد على مستوى الشارع الأمريكي.
يتجلى ذلك في تنامي دائرة استنكار تصرفات وتصريحات الرئيس ترامب، وانطباع نظرة موحدة أمريكيا لترامب بوصفه المجنون أو الأحمق أو الفظ (الجلف)، وتنامي المعارضة لمعظم قراراته وإجراءاته وتوجهاته داخل مجلسي النواب والشيوخ ومجلسهما المشترك (الكونغرس)، وصولا إلى السعي في إجراءات عزله.
وعلاوة على كون هذا الإجراء نادراً ومؤشراً جلياً إلى حال الارتباك المصاحب لفوضى الاضطراب والسابق للانهيار، في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فإن ردود فعل الرئيس ترامب لا تنفك تؤكد دنو انهيار النموذج الأمريكي بكل جوانبه المشكلة لعوامل النفوذ والهيمنة، بعبارة أخرى: دنو انهيار العظمة الأمريكية.

أترك تعليقاً

التعليقات