زفرة أولى!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم  / لا ميديا -
لا يدور العالم في فلك أمريكا، ولا ينبغي له ذلك. تأكد هذا مجددا، عبر إنجاز شائق وبكل المقاييس فارق، جاء مِن أقصى المشارق، ليقلب الطاولة على رأس أمريكا، ويسلب رئيس فيلها «الجمهوري» الماحق، نشوة تنصيبه طاغوتاً، وبدء ولايته النمرودية الجديدة.
هذا الإنجاز المارق على الحدود الأمريكية، والخارق لقيود الاحتكار الغربية، لم يكن هذه المرة إنجازاً عسكرياً ولا نووياً، ولا فضائياً، بل إنجازاً تكنولوجياً، يهدد جميع مجالات الهيمنة الغربية الامبريالية بالزوال، ويبدد حتميات التبعية العالمية للإمبراطورية الأمريكية.
كان هذا بإطلاق تنين الشرق الصيني زفرة لهب أولى، أحرقت ريش نسر الغرب الأمريكي، وقرعت رأسه الأقرع الإمبريالي، بضربة لها وقع المطارق، بعثرت هالة سلاحه الجديد للهيمنة، وضربت أسهم شركاته حواضن مارد «الذكاء الاصطناعي»، وأصابته في مقتل.
تعمدت الصين توقيتاً هاماً لإطلاق زفرتها الأولى هذه، فنفثتها بوجه الاستكبار الغربي، يوم الاثنين (20 يناير)، بالتوازي مع حدث كان الكاوبوي الأمريكي يفترض أن يكون الأول والأوحد عالمياً، ونعني تنصيب الرئيس السابع والأربعين لإمبراطورية أمريكا.
حدث ما أرادته الصين بتعمدها هذا التوقيت. تلقى العالم الغربي، بقيادة إمبراطورية أمريكا، مفاجأة كبيرة تسببت بهزة قوية، وصفتها مراكز الأبحاث الأمريكية بـ»زلزال» عصف بالأسواق المالية وأسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية وكبدها خلال ساعات قرابة تريليون دولار!
فوجئ العالم الغربي، المنتشي بابتكاره واحتكاره تكنولوجيا جديدة وخطيرة تؤهله لسيادة العالم لحقبة إضافية، باختراق الصين هذا الاحتكار الأمريكي، وامتلاكها هذه التكنولوجيا، حداً جعل إمبراطورية أمريكا تفغر فاهها دهشة وحيرة، صدمة وخيبة، ريبة ورهبة أيضا!
أما الدهشة فكانت لنوع الإنجاز الصيني، والحيرة لحجم كلفته الأقل ألفي مرة من كلفة الابتكار الأمريكي، والصدمة لكفاءة البديل الصيني، والخيبة لتبدد أمل الهيمنة، والرهبة لإثباته مقدرة فذة وقوة حقة، والريبة من تبعات امتلاك هذه المقدرة والقوة!
حدث هذا وأقرت به شركات «إنفيديا»، «ناسداك»، «ميت»، «أوبن إيه آي»، وغيرها من أذرع الاخطبوط الأمريكي، التي تباهى حفل تنصيب «ترامب» بحضور قادتها. لم تخف دهشتها ومخاوفها من تطبيق «ديبسيك» الصيني فائق الكفاءة والقدرات في «الذكاء الاصطناعي».
تلحظ هذا في تعليق مارك أندريسن، المستثمر والمستشار المقرب لترامب، بقوله: «ديبسيك نقطة ‏تحول للذكاء الاصطناعي وأحد أكثر الاختراقات المذهلة التي رأيتها على الإطلاق».‏ وتعليق رئيس شركة «سكيل إيه آي»، ألكسندر وانغ: إن ديبسيك «جرس إنذار ‏لأمريكا».‏
ورغم سعي أمريكا إلى فرض قيود صارمة على تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة إلى الصين، إلا أنها أثبتت بتطبيق «ديبسيك» أنها قادرة على تجاوز هذه القيود، وتبني استراتيجيات جديدة تعتمد كفاءة البرمجة الخوارزمية بدلا من القوة الحوسبية.
اجتاحت البورصات العالمية موجة بيع الأسهم إثر مخاوف من الاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي، بعد طرح التطبيق الصيني «ديبسيك»، الأقل كلفة في التطوير (5 ملايين دولار) بعد أن أصبح التطبيق الأكثر تحميلا على متجر «آب ستور» في وقت قياسي.
ليست كلفة ابتكار «ديبسيك» فقط المذهلة، ولا كفاءته المنافسة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الغربية «تشات جي بي تي» أو «لاما» أو «كلود»، بل أيضا تميزه بأنه مفتوح المصدر، ما يجعل شيفرته متاحة للجميع، وتبعاً التطبيق الرائد في نماذج المصدر المفتوح.
أكد الإنجاز التكنولوجي الصيني الجديد استراتيجية الصين للهيمنة على الأسواق العالمية من خلال ابتكارات مدعومة بتكاليف إنتاج منخفضة، وتقديم منتجات ذات تقنيات متطورة وبأسعار تنافسية، تجعلها المسيطر الرئيسي في مختلف القطاعات الصناعية، تبعا.
نعم، تابعت بغبطة أصداء إطلاق الصين تطبيق «ديبسيك»، وآثار قدراته التنافسية، كلفة وكفاءة، على شركات «الذكاء الاصطناعي» الأمريكية والأوروبية. خلصت إلى تأكد يقيني أن العالم لا يدور في فلك إمبراطورية أمريكا والغرب عموماً، ولا ينبغي له أن يكون كذلك.

أترك تعليقاً

التعليقات