مآل محتوم
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
عاجلا أم آجلا. لن يصح إلا الصحيح بوجود إرادة التصحيح. ما يبدو اليوم بعيدا عصيا سيغدو قريبا ممكنا. واقع الأحداث ومجرياتها تسير باتجاه أكثر وضوحا وأقل غموضا. هناك أجندات تهوي وأخرى تمضي قدما. تقابلها إرادة عامة تتسع لن تقهرها إرادات خاصة بنهاية المطاف. كل المعطيات تشير إلى دنو تغيير كبير يتجاوز اليمن إلى العالم برمته ونظامه.
مثلما كان إشراق شمس إمبراطورية عظمى ملكت البحار والمحيطات قبل 183 عاما من احتلالها أهم فرضة عبور بين أهم قارات العالم وأقدمها استيطانا للبشر وأثراها اكتنازا للثروات وأكبرها إنتاجا وأسواقا للاستهلاك؛ فقد كان أيضاً أفول وغروب شمس هذه الإمبراطورية بعدما امتد نفوذها في الأصقاع، بمجرد إنهاء هذا المعبر الهام الاحتلال وانتزاعه الاستقلال.
يظل مصير الاحتلال الأجنبي الجديد لجنوب اليمن مهما كان ضجيج أزلامه صاخبا، هو نفسه مآل سالفه البديد. هذا ما تقوله وقائع الأحداث وتحكيه حقائق الجغرافيا والتاريخ...
قد يداهم الشعوب احتلال غاز يستغل حال وهنها وتيه تفرقها، فيستتب له الأمر أمدا لكن دوامه محال. يظل الاحتلال نتاج اختلال عارض وزواله حتمي بزوال هذا الاختلال. مسألة وقت ليس إلا فشل الاحتلال البريطاني لميناء ومدينة عدن وجنوب اليمن طوال 128 عاما من إعمال سياسة “فرق تسد”، وابتداع “هويات” مختلقة، وتفريخ 23 سلطنة وإمارة ومشيخة شكلية بمعاهدات “تبادل اعتراف بالشرعية” حملت في البداية اسم “معاهدات حماية” ثم “صداقة واستشارة” (وصاية واستكانة)، وطمس ممنهج للهوية اليمنية الجامعة وتذويب القومية الواحدة. فشل في فرض بيئة حياة لهذا المسخ المشوه.
ظلت الهوية الجامعة أعم وقومية الدم الواحدة أعظم لكل قبائل جنوب اليمن، فأمكن اتحادها من جديد ضد الدخيل الغازي المحتل وجالياته الأجنبية التي أوطنها وأحظاها مكانة ومقاما ونفوذا وامتيازات على حساب اهتضام أصحاب الأرض. توجت ثورة 14 أكتوبر 1963 نضالا شعبيا طويلا ثقافيا ومجتمعيا وسياسيا، بكفاح مسلح هزم بريطانيا ودحر قواتها وقواعدها.
صحيح أن ما يشهده جنوب اليمن من موجة استلاب وهوجة إعطاب وتيه شتات، ثمرة من ثمار بذرة غرسها الاحتلال البريطاني طوال 128 عاما. لكن هذه الحال عارضة وستزول مهما علا صخب التضليل واشتد سعار التأجيج لنزغات شيطان رجيم، واحتد الهجيج لنعرات شتات سقيم. ومهما كان الترويج اليوم لأوهام تعتسف الواقع وتحور الوقائع وتلوي عنق الحقيقة.
لا تستقيم الحال للباطل طويلا، وكذلك هو الاحتلال الأجنبي. انتهازي جشع ومستبد بطبعه. ينهب ويسلب ويعطب أكثر بكثير مما يهب، وبما لا يُقاس والمستفيد الفعلي مما وهب، أكان احتلالا مباشرا بقوات وسلطات أجنبية أو بقوات وسلطات محلية خاضعة وطائعة له. سلاطين وأمراء ومشايخ الأمس وقيادات الفصائل الموالية لتحالف العدوان والغزو والاحتلال، اليوم.
تساقط ذرائع الاحتلال الواهية وانكشاف أقنعته الخادعة وزيف لافتاته الكاذبة؛ حتمي بالنهاية. وقائع هذا التساقط والانكشاف ستتوالى تباعا لتبطل كل شك، وتبدد كل حيرة، وتزيح كل غشاوة استطاع بها تعمية عامة الشعب في المحافظات التي أخضعها لنفوذه. بالمثل استخدامه لسياط العوز والحاجة، سيرتد عليه وبالا بالمحصلة يطيح به وبقواته.
هذا بدأ فعليا وسيتسع أكثر فأكثر في قادم الأيام مع استمرار رهان تحالف العدوان وأزلامه على ترويض المواطنين وإخضاعهم بسياط الإفقار تأخيرا ومنعا للرواتب، والإذلال توفيرا وقطعا للخدمات، والترويع قمعا وتفجيرا ووأدا للأمن؛ ليعم السواد الأعظم من المواطنين المخدوعين والحائرين والمتشككين، وتكون النهاية المحتومة، نهاية الباطل.
مظاهر باطل تحالف العدوان وأعوانه، اليوم أكثر من حصرها. اغتصاب الأرض، انتهاك السيادة، استلاب القرار، خسف الإرادة، عسف السلطة، إفساد الإدارة، إعطاب مرافق الخدمات، اتساع الاختلال، تصاعد الاعتلال، نهب الثروات والأموال. كلها من تداعيات الاحتلال وطبائع وسلوكيات سلطاته وأعوانها. ما يعدنا جميعنا بأكتوبر أجد، وقريب جدا.

أترك تعليقاً

التعليقات