برملة!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

واضح أن حروب المنطقة تدور بين براميل نفط وبراميل دم، بين خسَّة ورفعة، ضعة وعزة، اعتداء وإباء، وصاية وسيادة، احتلال واستقلال، تنمُّر وتمرُّد، وحدة وفرقة، تعمير وتدمير، شعوب وشُعب... وليست لأجل جمهوريات أو ديمقراطيات، ولا أمن إقليمي ولا دولي، ولا تنشد سلاما أو سلما دوليا...
هذا واضح جداً. الحروب المشتعلة وتلك الجاري إيقاد نيرانها وقرع طبولها ليست بدافع تحقيق أمن أو سلام إقليمي أو دولي بقدر ما هي حروب مد نفوذ وفرض هيمنة إتباع وإخضاع، تبرز من تجلياتها حتى الآن العمالة والخيانة والوصاية والنخاسة والنذالة وما بينها من استكبار واحتقار ومكابرة ومقامرة.
أقرب مثال حرب اليمن. لم يكترث العالم لمئات الآلاف من القتلى والجرحى والمرضى المدنيين الأبرياء في اليمن. ولم يغضب لآلاف المرافق المدنية الخدمية والاقتصادية والطبية التي دمرها طيران تحالف الحرب في اليمن طوال نحو 5 سنين، لكنه استُفز وغضب لقصف منشآت نفط السعودية!
الحال نفسها مع المنشآت الخدمية الأخرى في السعودية. لو كان الرد اليمني استهدف محطة تحلية مياه أو كهرباء سعودية، ما كانت قوى الهيمنة الغربية تُستفز على هذا النحو وتغضب إلى هذا الحد. نعم ستدين وتندد نفاقا وانحيازا لضرع حليبها النفطي، لكنها لن تفكر في إشعال حروب للدفاع عنها.
معايير العالم الغربي محكومة بما يمكن تسميته «البرملة»، كأحد أهداف «العولمة» وفرض نظام عالمي أوحد، يسخر ثلثي العالم: ثروات وأسواقاً وشعوب لخدمة رفاه وثراء الثلث الغني الصناعي الغربي. وأعني بالبرملة، إخضاع السياسات لسعر برميل النفط وضمان سلامة تدفق إمداداته.
وإذا كانت كعبة بيت الله في مكة تعود على السعودية بمنافع سياسية واقتصادية كبرى، فإن كعبة السعودية نفسها «شركة أرامكو» هي جوهر وجودها ومصدر حمايتها الدولية، كونها محجة دول النفوذ والهيمنة الدولية الحلابة، جزء أصيل من سيادتها والمساس بها استهداف مباشر لضرع حليب نمائها.
هذا يعني دوام استلاب شبه الجزيرة العربية والمنطقة العربية إجمالاً، لإرادة قوى النفوذ والهيمنة الدولية. وهذا الاستلاب يعني بدوره دوام الاضطراب في هذه المنطقة، استنزافا لشعوبها في صراعات عبثية وإهدارا لطاقاتها وتبديدا لثرواتها في خدمة جلاديها وحالبيها.
لم تعرف المنطقة ودولها استقرارا دائماً منذ القدم، بحكم موقعها الجيوستراتيجي بين أهم قارات العالم وأقدمها استيطانا بشريا وأغناها توطنا للموارد الطبيعية وهيمنتها على حركة الملاحة الدولية، وبحكم كونها مهبط الرسالات السماوية. لكنها ودعت الاستقرار الجزئي كليا منذ ظهور نفطها وغازها.
كل مقومات القوة تتوافر في المنطقة العربية عامة وشبه الجزيرة العربية خاصة. عمق حضاري، وثقل سكاني، وموقع استراتيجي، ومخزون ثرواتي نفطي وغازي، وسواحل طويلة وبحار عريضة، وأراض خصبة زراعية، ووحدة عرقية وثقافية... لكنها تفتقد فقط استقلالها وسيادتها.
والسؤال: حتى متى تتجاهل شعوب المنطقة أنها وحدها من يدفع ثمن هذا الصراع ومخرجاته من ضعف وهوان الاستلاب وويلات الاضطراب وحال الاغتراب ومآل الانتحاب؟! وإلى متى يستمر انقسامها بين أقطاب الصراع الدولي ظنا وتوهما أن نجاتها في انتصار أحدها وليس في استقلالها عن وصايتها وهيمنتها جميعها؟!

أترك تعليقاً

التعليقات