إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
لا يلام أحد من المبغضين والأعداء إن اغتاظوا حد الكمد، وامتازوا حنقا وغضبا حد الكبَد لما يرونه ينجز وعجزهم عن التشنيع به وتشويهه! الإنجاز العام أمل منشود وفعل محمود يفترض وهو اليوم مشهود أن يحظى بإشادة الجميع، بخاصة مَن يلتقون نظريا في إدارة الشؤون العامة للشعب، على اختلافهم عمليا في تجسيد صدق القول والفعل. ولنا في العرس الجماعي الأكبر عالميا المُقام بنسخته الثالثة أمس بصنعاء مثال.
أمضى الفنان الراحل حسن علوان عمره كباقي شباب شعبه وهو يردد أهزوجة تهامية “عطا وا رب امكريم، عطا زوّج الحريم، عطا والشباب فقير، عطا والبنات كثير». كمن ينادي بواد من صخر. ظلت الحكومات تصم آذانها، حتى بعد تصدر هذا المطلب الشعبي الواسع المرتبط مباشرة بالشباب وآبائهم وأمهاتهم؛ الشعارات الانتخابية وتعهد الرئيس الأسبق بإنشاء صندوق لتزويج الشباب وآخر لإعانة العاطلين عن العمل!...
لم يكن هناك اهتمام حكومي جاد بهذا المطلب الشعبي الهام ذي الأثر العام، الإيجابي لتلبيته والسلبي لصده. لم يظهر استشعار فعلي للمسؤولية حيال هذه الحاجة المجتمعية. حاجة تأمين مجتمع فتي، نصف تعداد سكانه من الفتيان والشباب، وتوفير سبل استقراره وتحصين عفته، وحافز إنتاجه وعطائه في ميادين البناء ومدخلات النماء، ومخرجات الرخاء.
حدث هذا مع الأسف، رغم توافر الإمكانات المواتية. ظل الأمر محصورا على زفافات جماعية لعشرات من المنتسبين لهذه الوحدة العسكرية وتلك، ومبادرات لجمعيات خيرية وتجار، وبدافع أغراض دعائية، بالنظر لتوقيت هذه الزفافات الجماعية -على ندرتها- السابق لموسم تبرعات أو طرح منتج جديد أو منافسات سياسية ساخنة ودورة انتخابية!
على العكس تماما، أتذكر أن رئيس الحكومة عبدالقادر باجمال اختطب في مؤتمر عام لقضايا السكان، انعقد بتمويل من الاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية مطلع الألفية؛ مباهيا بالتمكن من “خفض معدلات الزواج ورفع أعماره” ضمن سرد إنجازات الحكومة وسياساتها لكبح النمو السكاني وخفضه، المدعومة -أو بالأحرى- المشروطة من صندوق النقد والبنك الدوليين!
ظلت الحكومات المتعاقبة تبرر محدودية التنمية بـ”الانفجار السكاني”، وتشكو “ارتفاع معدل النمو السكاني الى ٣.٥% ومعدل الخصوبة” بوصفه “الأعلى عربيا”! رغم أن عدد السكان كان دون ٢٠ مليونا حسب تعداد ٢٠٠٤م وتجاوز ٧٠ في مصر وتركيا وإيران و٣٠ في السودان والمغرب والجزائر، وتخطى المليار في الصين والهند، وقارب ربع المليار بإندونيسيا!
فعليا، الإيرادات العامة في اليمن كانت أكبر بعشرة أضعاف من الآن، ضرائب وجمارك وزكاة وعائدات ثروات نفطية وغاز ومعدنية وسمكية وزراعية وسياحية، وإن كان لا يدخل خزينة الدولة منها إلا الربع، بعد تقاسمها بين الشركات الأجنبية وشركات الخدمات المملوكة لقوى النفوذ العسكرية والمشيخية والتجارية، وبين قيمة المباع للسوق المحلية!
وعمليا، ليست موارد الدولة هي المانع لتبني تزويج الشباب المعسرين وتوفير فرص عمل لهم. كان المانع هو غياب التوجه واعتلال إدارة الدولة بالعشوائية واتسامها بالشكلية، واقتران الإنفاق العام بهدر غير اقتصادي وفساد مالي وإداري، وقبل هذا وذاك ارتهان القرار لإملاءات المانحين والمقرضين الإقليميين والدوليين وشروطهم المتحكمة بإدارة الدولة!
الحال نفسها مستمرة في محافظات ومناطق سيطرة تحالف العدوان وسلطات الموالين له. ليس لاستمرار وربما تضاعف الهيمنة والوصاية الخارجية من القوى الإقليمية والدولية نفسها، بل لاستمرار القوى المحلية ذاتها وممارساتها بارتهانها للخارج وإملاءاته وخدمة أجنداته وأطماعه، مقابل الامتهان للداخل وحاجاته وخدمة تعطيل بنائه ونمائه!
في المقابل هناك إنجاز رغم ظروف العجز واحتدام التعجيز بحرب وحصار ظالمين وافتقاد ٩٠% من الموارد العامة. تزويج ١٠٠٤٤ عريسا وعروسا إنجاز يضاف لتسيير عمل مؤسسات دولة وتيسير خدمات عامة لنحو ٢٥ مليونا وتأمين استقرار التموين السلعي، وتحقيق توسع زراعي، علاوة على نفقات مواجهة حرب غاشمة، وتداعيات حصار اقتصادي!
كل التحية والتقدير للقائمين على تمويل وتنظيم هذا الإنجاز. مهرجان الزواج الجماعي للشباب من مختلف محافظات البلاد، المقام سنويا بالعاصمة صنعاء، ضمن أنشطة الهيئة العامة للزكاة في مصارفها الشرعية. مثل هذا العطاء الزكي غرسا وثمارا، الملبي أوامر الله تعالى طاعة وعبادة، نفعا وأثرا؛ يجسد بحق الحكمة والرحمة والبركة الإلهية من سن الزكاة، ويقدم برهانا لقبح وجشع مانعيها.
المصدر ابراهيم الحكيم
زيارة جميع مقالات: ابراهيم الحكيم