مناحة «التحرير»!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يتوالى العناق بين الأشرار وتعاونهم على الإثم والعدوان والنفاق، ويزداد غيهم وبغيهم وسخاء الإنفاق وإصرارهم على إنفاذ الاتفاق، ومعه يتوالى تضييق الخناق على الأحرار، وتعميم التغرير حد التبلد، ونشر التدمير وتعويم الخراب، بزعم «التحرير والانعتاق»، فيما الحال مريرة تسير باتجاه ترويض المواطنين للقبول بأي حل يطفئ هذا الاحتراق بنيران الحرب والكرب وسعير الخوف والرعب، والعوز والجوع والذل، وتمرير مخطط ليس أبدا في صالح البلاد ولا صلاح أحوال العباد.
يحدث هذا في المحافظات المحتلة، حيث يحتاج عائل أسرة تضم زوجته وستة أولاد ووالديه، إلى 2500 ريال كحد أدنى لتوفير 50 قرص خبز (روتي) في الوجبة الواحدة، ما يعني 7500 ريال في الوجبات الثلاث. بينما راتبه الذي يتسلمه متأخرا لا يتجاوز 60 ألف ريال. هو إذن أمام عجز شهري عند تأمين الخبز فقط يساوي 165 ألف ريال، فضلا عن نفقات الإدام الذي سيغمس به هذا الخبز وإيجار السكن وغيرها من نفقات المعيشة!...
سوط الجوع، بات مشهرا بسفور في المحافظات الجنوبية للبلاد، التي تسمى «محررة» وتخضع لسلطات تحالف العدوان والغزو والاحتلال ومليشيات مختلف فصائله المحلية، حدا اضطرت معه الأسر إلى إلغاء وجبة وغالبية ألغت وجبتين واكتفت بوجبة واحدة طوال اليوم، وليت هذا كان كافيا لإطعام الأفواه وإسكات جوعهم، فكيف بمن كان والداه من ذوي الأمراض المزمنة ويحتاج إلى أدوية يومية، ماذا يفعل؟!
الحال في جنوب البلاد، باتت أشد ضنكا وأمرّ معاشا وأفتك قسوة وشظفا، رغم أنها كما يقال «محررة»، ويفترض بها أنها ترفل في نعيم «التحرير»، ودعم تحالف يضم دولا عدة هي الأغنى ثروة والأقوى اقتصادا والأعتى تسليحا، ولا تشكو حصارا للموانئ أو حظرا جويا للمطارات أو عوزا للإيرادات العامة أو حرمانا من الثروات الطبيعية، ولديها نفط وغاز، يُنتج محليا، لكنها تشكو في الوقت ذاته أزمة وقود وكهرباء ومياه.. إلخ!
يثير حال المحافظات الجنوبية المُر، تساؤلات عدة، لعل أبرزها: ما الذي ينقصها لتعيش في نعيم مقيم ودعة وسكينة وأمن وأمان ورخاء ونماء. كل شيء متوفر لها هناك. إيرادات عامة، تبلغ ضرائب القات فقط في عدن ما يقارب مليار ريال يوميا، فضلا عن باقي صنوف ضرائب الإنتاج والمبيعات والعقارات والخدمات، وإيرادات جمارك الموانئ والمطارات، وبالطبع إيرادات النفط والغاز، علاوة على «دعم التحالف»!
فعليا، تستحوذ هذه المحافظات على 70% من مساحة البلاد، ومن إيراداتها العامة، وتعداد سكانها لا يتجاوز 10 ملايين من أصل 30 مليون يمني ويمنية حسب إسقاطات مجلس السكان. لكنها تحيا معيشة ضنكى، عنوانها العوز لخدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، والحرمان من السكينة والطمأنينة والأمن والأمان، حدا غدا الأخير في حكم الموءود، والخارج من داره في حكم المفقود والعائد إليه بحكم المولود!
هذه الحال المريرة، يفاقم مرارها، غلاء المعيشة، بعد ارتفاع أسعار السلع أضعافاً، بفعل انهيار قيمة العملة المحلية هناك، ليتجاوز سعر الريال سقف 1500 ريال للدولار الواحد و500 ريال مقابل الريال السعودي، وفق تسعيرة البنك المركزي في عدن، فضلا عن رفع سعر الدولار الجمركي على واردات السلع 100%. ما جعل سعر كيس الدقيق (50 كجم) يتجاوز 40 ألف ريال وكيس الأرز (10 كجم) تجاوز 30 ألفاً!
كان طبيعيا، أن يعلو صوت أنين الجوع، ويغادر المنازل إلى الشوارع، صارخا وهادرا، يهتف بما غدا أقصى مطالب المواطنين «نشتي نعيش». نعم، غدا مجرد البقاء أحياء، سقف أماني المواطنين هناك، بفعل اعتماد سلطات «التحرير» المزعوم، سياسات الإفقار الممنهج والتجويع المتعمد، سبيلا للإخضاع والتركيع المعمد بسياط تردي الخدمات الخدمات وتأخر المرتبات وتمدد التفجيرات والاختطافات والاعتقالات والاغتيالات!
الحال، إذن، ليست أفضل مما هي في المحافظات الحرة، غير الخاضعة لسلطات وقوات ومليشيات تحالف العدوان والغزو والاحتلال. هذه المحافظات ذات الكثافة السكانية الأكبر، والمحاصرة برا وبحرا وجوا منذ سبع سنوات، والمسلطة عليها مقدرات وثروات وترسانات أغنى دول المنطقة ثروات، وأقواها اقتصاديات، وأعتاها ترسانات عسكرية وإعلامية، وأخناها خضوعا لنفوذ دول الحلف الأنجلو صهيوني، وهيمنتها على العالم.
لا ينقص المحافظات الجنوبية المسماة «محررة»، شيء عدا استقلال القرار، وحرية الاختيار، وإرادة تحديد المسار، وسيادة البلاد، وكرامة العباد. خمس ثوابت رئيسة، لحرية أي شعب ورفاهه ونمائه، سُلبت خمستها من تحالف العدوان والغزو والاحتلال، وباستعادتها فقط، يمكن لإخوتنا وأحبتنا في جنوب البلاد، دحر الجوع والخوف والهوان، وغيرها من نوائب التبعية ومصائب استبداد الوصاية الخارجية ومهانة الإغاثة وسِلال الإذلال.
أسأل الله خالصا، أن يُخَلِّص اليمن من شرور الطامعين والغازين المحتلين، الغاصبين للأرض والبحر والجو، والسالبين للسيادة والسلطة والإدارة، المختطفين للكرامة والحرية والإرادة، والناهبين للثروة وأسباب العزة والكفاية والنهضة. لا حل عدا تحرير البلاد من الغزاة المحتلين، والتحرر الكامل من التبعية والوصاية، واسترداد السيادة الوطنية، وانتزاع الاستقلال الوطني للقرار والمسار، وحرية الإرادة في اختيار السلطة والإدارة، ومحاسبتها.

أترك تعليقاً

التعليقات