درس باهظ!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تتجاوز خسارة استهداف العدو مرافق هيئات ومؤسسات الدولة، البنى الخرسانية والمعدات التقنية، إلى الخسائر البشرية؛ الأرواح التي تزهق والدماء التي تهرق، خسارة لكوادر مدربة، وخبرات ومهارات تراكمت عبر سنوات!
جرى حتى الآن تداول أسماء نحو 25 من الإعلاميين والصحفيين، استشهدوا بغارات العدوان الصهيوني الأخيرة على مقري صحيفة «26 سبتمبر» وصحيفة «اليمن» في حي التحرير بالعاصمة صنعاء، فضلا عن المصابين!
صحيح أن الغارات الصهيونية لم تحقق أي إنجاز عسكري، وأن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، كتب الله تعالى له النجاة، ولم يفز بالشهادة، لمواصلة دوره الجهادي القوي والمثير لغيظ العدو؛ لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا:
لماذا يتم جمع كل هذه الكوادر الإعلامية والصحفية في سلة واحدة؟! لماذا الإصرار على إلزام الموظفين بالدوام في مقرات العمل، رغم إمكانية إنجاز الموظفين مهام وظائفهم من أي مكان؟!
لماذا لا يتم إخلاء مرافق مؤسسات الدولة المستهدفة، وإعلان هذا الإخلاء، واعتماد مرافق بديلة، غير معلنة، إن كان العمل لا ينجز إلا في مقر العمل، واعتماد معيار إنجاز العمل كمّاً وكيفاً، إلكترونياً، من دون حضور؟!
فعلياً: كثير من موظفي مؤسسات الدولة لا يرتبط عملهم بتقديم خدمة مباشرة لجمهور العامة، وتبعاً لا يتطلب عملهم بالمرة تواجداً بمقر المؤسسات، ولا دواماً حضورياً بالضرورة لتأدية وظائفهم وإنجاز مهماتها على أكمل وجه.
يبرز هذا أكثر في الوظائف ذات الطابع الذهني والفكري، كما هو الحال مع العمل الإعلامي (صحافة، تصوير، تصميم... إلخ). يستطيع هؤلاء أداء مهام وظائفهم المحددة، كما ينبغي نوعاً وكماً وكيفاً وتوقيتاً، من خارج مقر العمل.
يملك كل صحفي ومصور ومصمم، الآن، أدواته الفنية والتقنية، ويستطيع إنجاز مهام وظيفته، وإرسالها عبر تطبيقات التراسل الإلكتروني إلى وحدة تنفيذية مختصرة، في مقر عمل بديل غير معلن لطباعة الصحيفة أو المجلة.
في هذا أتذكر، حين كُلفتُ بأعمال رئيس تحرير صحيفة «الثورة»، عقب 21 أيلول/ سبتمبر 2014 وانسحاب هيئة تحريرها. لم أتشدد ومن بقي معي من هيئة تحرير الصحيفة، في مسألة إلزامية الدوام، وتركنا الأمر اختيارياً للموظفين.
استمرت وتيرة العمل في ظروف صعبة، وسرعان ما اندلعت الحرب وبدأ العدوان على اليمن بواجهته السعودية - الإماراتية، وبقينا نُسيّر عمل الصحيفة تحت الغارات والقصف، إنما بأقل القليل من نسبة المخاطرة بحياة الموظفين.
مع ذلك، ما يزال كثير من جهات العمل الإعلامي في بلادنا تلزم موظفيها بالدوام وإثباته بالتوقيع حضوراً وانصرافاً على حافظات الدوام والبصمة الإلكترونية أيضاً! والأنكى أن هذا الإلزام لا يسري -غالبا- على من يفرضونه!
ينبغي لكل مسؤول أن يستشعر مسؤوليته الجمة ويجسدها عملياً، فديننا يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، وسوف يُساءل كل مسؤول يوم العرض عن مسؤوليته، نزاهته، وأمانته في عمله، وسلامة الموظفين لديه، وحقوقهم عليه.
يتعين بداهة أن يدرك كل مسؤول ألاَّ فكاك من عيون منبثة، لحثالة منحطة من رعاعنا غدت للعدو مرتزقة، ترصد كل همسة، تحصي كل خطوة، تتربص بكل حركة، لتقع برجس العمالة وتبيع أي شيء مقابل دنس العملة!
يجب تفويت الفرصة على العدو الحاقد. لا يصح لبعضنا أن يساند ويعين العدو غير قاصد، بسهوه وبقائه شارداً، لا يحاذر بينات المكائد، فتلقاه للموظفين حاشداً، من غير حاجة ولا بد، وبإلزامية البصمة يعاند، للفناء بصاروخ واحد!
يظل الثابت أن العدو موجوع وحاقد، وكل شيء منه وارد، ينشد ترهيب شعبنا الصامد بالقتل وتعميم المشاهد، بمساعدة أقذر السواعد أو دون أي مساعد، لا يميز بين يمني مجاهد أو يمني محايد وقاعد، ما يوجب حذر بيانات المكائد.

أترك تعليقاً

التعليقات