إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
الناس، عشرات الملايين من هذا الشعب المطحون، يتوقون الى انفراج ينهي كرب الحرب. إلى أمل في غد أفضل. إلى الفصل في معاناتهم وبينهم وبين الجوع والمرض وذل الفاقة والعوز. ويظهر من يثير جدلا واسعا بشأن الفصل بين الجنسين في كلية دون غيرها ويجعله أولوية قصوى وفي هذا التوقيت!
كان حريا بمن أصدر القرار أن يبدأ أولا بتعريف الناس لماذا؟ أن يبين لهم الحجة القاطعة ويعرض الحاجة الماسة، ينشر ما يقنعهم من أسانيد شرعية ونصوص قطعية ومسوغات موضوعية ومصلحة مجتمعية، يجعلهم مطمئنين إلى دافع الضرورة وداعي المصلحة العامة، فيقبلوا على الأمر طواعية وعن قناعة تامة.
هذا منهج الله سبحانه في هداية خلقه وإبلاغهم بما ينفعهم وما يضرهم، وإصدار أوامره حثا ونهيا، ترغيبا وتنفيرا، وهو نهج رسل الله وأنبيائه. لم يكن القسر غايته عز وجل ولا اصطدام رسله وأنبيائه مع أقوامهم وتنفيرهم، فاتخذ الله هذا المنهج وهو الخالق والمالك والعزيز القدير، وجعله نهج رسله وأنبيائه.
مع ذلك يصر البعض على مخالفة المنهج الرباني والنهج النبوي. يصر أن يكون فجا، صادما، وأن يظهر مستبدا بالقرار وإنفاذه، شاء من شاء وأبى من أبى. يصر على اتخاذ نهج الصدام، وسلك مسلك التأجيج متجاوزا غايته المعلنة إلى التأزيم، وتوسيع الهوة بدلا عن ردمها، وتجاهل الأولويات بدلا عن ترتيبها.
هناك -بالطبع- حيثيات ومنطلقات وأهداف لهذا القرار، وقد تكون معلومة للبعض ويمكن أن تكون مفهومة للجميع. لكن غير المعلوم ولا المفهوم هذه الردود المنفعلة والطروحات المنفلتة إزاء الانتقادات المحتدة لقرار بلا تهيئة وإجراء بلا مقدمة، ومن جهة غير مخولة وقبلها جهات عدة مختصة، يتعين أن تكون لها رؤية جامعة.
بدا غريبا انفراد عمادة كلية الإعلام بالقرار كما لو أنها مستقلة عن رئاسة ومجلس جامعة صنعاء، والأخيرة مستقلة عن مجلس أعلى للجامعات، والأخير مستقل عن وزارة تعليم عال، والوزارة منفصلة عن حكومة، والحكومة غير مرتبطة بقوانين ولوائح ومجلس نواب ورئاسة دولة (مجلس سياسي أعلى)!
الأغرب أن يجري تقديم القرار بوصفه ضرورة قصوى وتصحيح “حال مختل أو معتل بل منحل”. متجاهلا أن حصره بكلية دون غيرها يسوغ القبول بالشذوذ عن قاعدة سنها بوصفه سبيلا وحيدا “للعفة والفضيلة” وما عداه “خطيئة ورذيلة”؛ وأنه بذلك ينسف دواعيه وموجباته وأهدافه!
لماذا هذا الانتقاء وهذا الاستثناء؟! قصر القرار على كلية فقط من مئات الكليات في جامعة صنعاء وسائر الجامعات الحكومية والخاصة! مبرر “الإمكانية هنا وتعذر تحمل التبعات المالية هناك”، ينسف دواعي القرار وموجباته وأهدافه. إذ يهون وينفي جسامة الضرر الأخلاقي في مقابل ارتهانه للضرر المادي!
الأدهى أن القرار يتعلل بـ”درء عواقب الاختلاط” ويفتح المجال لشبهة الاختلاء! فالمعيد أو الأستاذ المساعد أو الدكتور ليسوا محارم للطالبات ولا يجوز الاختلاء بهن، وكذلك الطلاب ليسوا محارم للمدرسات بالكلية من معيدات وأستاذات وأكاديميات ولا يجوز اختلاؤهم بهن، بالذات وأن جميعهم دون الأربعين!
على العكس. فإن حضور ذكور في اجتماع مغلق يضم رجلا مع إناث غير محرم لهن، وحضور إناث اجتماعا مغلقا يضم أنثى مع رجل أو رجال غير محرم لها، يبطل جناية “الخلوة غير الشرعية” بمنعه شبهة الوقوع بمحظور الاختلاء وعواقبه. هذا يعني أن داعي القرار يفرض تخصيص هيئة تدريس لكل جنس من ذات جنسه. ذكورا للذكور وإناثا للإناث!
يرتكز قرار “الفصل بين الجنسين” بكلية الإعلام، على دافع وهدف “دفع مفسدة الاختلاط” المحتملة وعواقبه الافتراضية، والتي ماتزال في حكم النادر والأخير لا حكم له عند الشارع أو المشرع ومصدر القرار.
لكن وإذا كان من أبرز عواقبه تعذر “غض البصر” وأن “لا يخضعن بالقول” أو سماع الذكور أصوات الإناث، فهذا يوجب تعميم هذا الفصل في مرافق العمل الإعلامي أيضا وفي فعالياته إجمالا، بما فيها خروج النساء في مسيرات وتظاهرات، حتى ولو بأماكن مخصصة لهن وحدهن، لحضور مفسدة النظر والسمع!
تفترض حيثيات هذا القرار إذن على وجه السرعة وباليقين والحزم نفسهما ودون انتقاء أو إبطاء أو استرخاء، تعميم هذا “التصحيح” على بيئات اختلاط أكثر انغلاقا واقترابا. على جميع المرافق العامة والخاصة بلا استثناء: أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم والمستشفيات والمستوصفات، الأسواق والمطاعم والحدائق ووسائل المواصلات والنقل، ومرافق التموين والمولات والبقالات.. إلخ.
وفق حيثيات القرار لا يبدو صحيحا أو صائبا أن تجلس امرأة بجوار قاضيين بذلك التقارب حد التلاصق على منصة المحكمة حتى لو كانت رئيسة للمحكمة. الأدعى والأوجب تصحيح هذا، وتخصيص أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم أياما للذكور...
المصدر ابراهيم الحكيم
زيارة جميع مقالات: ابراهيم الحكيم