خُمس أممي!
 

ابراهيم الحكيم

ابراهيم الحكيم / لا ميديا -

واضح أن اليمن غدا سوقاً نشطة لكل انتهازيي العالم، مِن تجار الاستلاب والانبطاح، إلى تجار الحروب والسلاح، إلى تجار الأزمات والجراح.. وجميعهم يتاجرون بمعاناة شعب عزيز يراد له أن يذل، ويأبى أن يُذل، ويختار "الاعتفاد" وجهاد الكفاح، لكنهم يجدون في صموده، داعياً للتباكي والنباح، بغية دوام تجارتهم والأرباح!
هذا ما يدركه المتأمل والمتابع لأخبار اعتماد مليارات الدولارات قيمة صفقات سلاح لا يتوقف إبرامها منذ بدء الحرب على اليمن، بين دول تحالف الحرب ودول العالم، وبالمثل توالي أخبار ما يعتمد من مليارات الدولارات تحت يافطة "مساعدة الشعب اليمني وإغاثته".. مليارات تكفي لإثراء اليمنيين كافة لا مجرد إغاثتهم!
بيانات هيئة الأمم المتحدة، تتحدث عن تبرعات لليمن، من تجار السلاح وأرباح صفقاته مع دول تحالف الحرب، على مر السنوات الأربع الماضية، تقدر بنحو 23 مليار دولار، منها 10 مليارات دولار داخل "خطة الاستجابة للأمم المتحدة" و10 مليارات دولار خارج خطة الاستجابة، وفق عاملين أمميين في القطاع الإنساني! 
مبلغ كبير، ليس أكبر من خسائر اليمن في بنيته التحتية ومقدراته الإنتاجية الخدمية والاقتصادية طوال 4 سنوات من الحرب، لكنه يظل مبلغاً كبيراً، يكشف عن تجارة دولية أممية، سوقها معاناة اليمنيين، وسلعتها فتات لا يخلو من السوس والديدان، وبالطبع جرع الإذلال والهوان، لمن أفقرتهم الحرب وحرمتهم مداخيلهم وأعمالهم!
عودة إلى بيانات الأمم المتحدة، المنشورة، تفيد بأن "إجمالي المنح المالية المقدمة للأمم المتحدة داخل خطة الاستجابة الإنسانية لليمن منذ 2015 وحتى 28 فبراير 2019، بلغ نحو 10 مليارات دولار"، بدأت بـ800 مليون دولار عام 2015م، وظل الرقم يتصاعد مع استمرار الحرب، وتعمد تمديدها بإعاقة سبل إحلال السلام المتاحة! ...
تابعوا معي تصاعد المزايدة على اليمنيين ومعاناتهم في سوق النخاسة الدولي، فحسب تقارير الأمم المتحدة "بلغ دعم المجتمع الدولي لخطط الاستجابة لليمن 800 مليون دولار مطلع 2015، ثم 963 مليون دولار للعام 2016، وارتفع إلى 2,2 مليار دولار عام 2017، ثم إلى 2.7 مليار دولار عام 2018، و2.4 مليار دولار مطلع 2019"!
يتساءل المتابع لهذه الارقام: أين تذهب؟ ويتوقع طبعاً، أنها تكفي لتغطية رواتب موظفي الدولة المتوقفة منذ نحو 3 سنوات عن نحو مليون موظف وموظفة في المناطق غير الخاضعة لسيطرة التحالف والموالين له، وإعاشات حالات الضمان الاجتماعي التي كانت 1.5 مليون حالة حتى 2015م، وضعفها أيضاً جراء تداعيات الحرب.
لكن هذا لم يحدث.. فما الذي حدث ويحدث؟ وأين تذهب هذه المبالغ؟! قطعاً ستكون الإجابة صادمة لليمنيين الذين يجري الشحت باسمهم، ويمارس السحت بمعاناتهم من منظمات دولية وإقليمية ومحلية، بينها منظمات هيئة الأمم المتحدة نفسها، على نحو يبين حقيقة وظيفة هذه الهيئة ومنظماتها: تعقيد الأزمات والاتجار بالكوارث!
يتأكد هذا بمعرفة أن الأمم المتحدة، وكما هي عادتها ومنظماتها، "استقطعت نحو 6 مليارات دولار لصالحها، ومرتبات لمئات الاستشاريين والخبراء والموظفين من جنسيات غربية وأوروبية، العاملين ضمن بعثاتها في اليمن.. مرتبات باذخة جداً، تفوق فعلياً ما ينفق على احتياجات اليمنيين المنكوبين من الحرب المستمرة للعام الخامس!
قد يتوقع البعض أن تكون رواتب موظفي بعثات منظمات الأمم المتحدة في حدها الأدنى والأعلى بين 5000 - 10000 دولار شهرياً، لكن الواقع يتجاوز التصور، بمعرفة أن "8 موظفين عاملين في بعثة إحدى منظمات الأمم المتحدة إلى اليمن يتقاضون نحو 50 مليون دولار رواتب 11 شهراً فقط، أي ما يعادل 25 مليار ريال يمني!
هذا ليس تكهناً ولا تخميناً، ولا ادعاء أو تجنياً، بل ما كشفته وثيقة صادرة عن الأمم المتحدة، كشفت عن "تخصيص مبلغ 50 مليون دولار رواتب 8 من موظفي برنامج الأغذية العالمي في اليمن لـ11 شهراً فقط".. أي 6.250.000 دولار لكل منهم في 11 شهراً، 568 ألف دولار شهرياً لكل منهم، ما يعادل 285 مليون ريال يمني!
وفق هذه الوثيقة الرسمية، المنشورة على مواقع شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، ضمن تقرير لهيئة الأمم المتحدة عن توزيع المساعدات الغذائية في اليمن للفترة (أبريل 2017-2018م)، فإن "5 من هؤلاء الموظفين من الأجانب الراتب الشهري للواحد منهم يعادل راتب الموظفين اليمنيين الثلاثة المتبقين مجتمعة، في الشهر الواحد"! 
الأدهى أن رواتب الموظفين الثمانية البالغة 50 مليون دولار لـ11 شهراً، من إجمالي مساعدات غذائية يتحدث عنها التقرير الأممي بقيمة مليار و200 مليون دولار، أي أن رواتب الموظفين الثمانية تعادل الخُمس من المبلغ.. خُمس أممي انتهازي، يعمم النعيم والعيش الرغيد والثراء الفاحش لثمانية موظفين على حساب جوع الملايين!
تتجلى أكثر انتهازية التجارة الأممية في الكارثة الإنسانية في اليمن جراء الحرب العسكرية والاقتصادية المستمرة برعاية الأمم المتحدة نفسها، بمعرفة أن رواتب الموظفين الثمانية (50 مليون دولار لأقل من عام)، تكاد توازي إجمالي المبلغ المخصص مساعدات نقدية لمئات الآلاف من المعلمين والمعلمات في اليمن، والبالغ 70 مليون دولار فقط!
لا غرابة إذن أن يجد المتابع هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها تغض الطرف عن أطراف الحرب وجرائمهم في اليمن من ناحية، وتتباكى على تداعيات الحرب الكارثية إنسانياً من ناحية ثانية.. فالتغاضي وتعقيد حلول إنهاء الصراع والحرب في اليمن والتباكي.. مفاتيح رئيسة لتجارة انتهازية ذات أرباح خيالية تنافس أرباح تجارة السلاح والمخدرات!
لكن الغريب، والعجيب والمريب أيضاً، أن يستمر اليمنيون في ملهاة التمترس في المواقف وفي خنادق المعارك وفنادق دول تحالف الحرب، وهم يعلمون أن بلادهم تدمر عمداً، وشعبهم يُعذب قصداً، ومقدرات دولتهم ومقومات استقلالها تبدد علناً، لمصالح تجار سلاح وتجار كوارث وتجار عمالة وارتهان وانبطاح، ولا يحدث هذا فرقاً لديهم..!

أترك تعليقاً

التعليقات