استحمار!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يميل البعض إلى استحمار البشر، أعني الإمعان في استغباء الآخرين، وإتقان استغفال عقول المتلقين، حد المساواة بينهم وبين الحمير! وهذا حال من يمجد ما سمي تجميلاً وزوراً «استعمار»!
مؤسف أن تحل على اليمن وهو بحاله الراهنة ذكرى ثورة مكتملة الأركان، مثل ثورة الرابع عشر من أكتوبر، ضد أعتى إمبراطوريات الزمان وأقوى ترسانات الاحتلال الأجنبي وأبغى إمبرياليات الاستغلال!
أكثر ما يؤسف له أن تجد بين اليمنيين من يثني على حقبة الاحتلال البريطاني لعدن وجنوب اليمن عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، طوال 128 عاماً من الاستغلال الانتهازي والاهتبال للموقع والثروات!
يجهل هؤلاء أن التشييد والبناء في عدن -على قلته- ظل مقترناً بمصالح الاحتلال البريطاني، العسكرية والاقتصادية، ومدفوعاً بخدمة قواته وحاشيته وجالياته التجارية الأجنبية، ومشروطاً بتحقيق أرباح!
فعلياً: انتهجت سلطات الاحتلال البريطاني نظام الاستثمار، وليس الاستعمار. لم تشيد شيئاً لا يعود على إمبراطورية بريطانيا العظمى و»تاج جلالة الملكة» بالنفع المباشر، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
وحدث بالفعل أن نفذ الاحتلال البريطاني «مشاريع»، لم تؤتِ أرباحاً، فألغتها على الفور، كقطار وسكة حديد (أبين - لحج - عدن)، لم يحقق الأرباح المأمولة، بجانب غاية نقل القوات والقطن، فألغي وأُعيد القطار إلى الهند!
كذلك ترميم صهاريج عدن، لمواجهة حرب المياه؛ فشل حين تعامل الاحتلال معها كخزانات وليس كأحد مكونات منظومة مائية هندسية دقيقة تشمل الحواجز بجبل شمسان والبغد (الأنفاق) والسائلات (السواقي)!
أيضاً مدرسة «البادري» شيدتها بريطانيا بعد 15 سنة احتلال بهدف تعليم الإنجليزية لأبناء حكام السلطنات والإمارات والمشيخات التي فرخها لتبادل الاعتراف بالشرعية وإعمالاً لنهج «فرِّقْ تسُدْ».
لكن سلطات الاحتلال أغلقت المدرسة قرابة 20 عاماً، قبل أن تبدأ تشييد مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية، بعدد أصابع اليد، لاستيعاب أبناء قوات الاحتلال وموظفيه وحاشيته الأجنبية والمحلية!
أيضاً قطاع الصحة، كان «مستشفى إليزابيث» أول مستشفى عام، شيدته بريطانيا بعد 116 عاماً على احتلالها عدن، وبالتزامن مع تدشينها استثماراً جديداً لموقع عدن، بإنشاء المصافي لنفط الخليج!
كذلك، شركة طيران عدن، اقترن تأسيسها بتنفيذ عمليات «بساط الريح» لنقل اليهود من اليمن ودول المنطقة والقرن الأفريقي وتوطينهم بفلسطين وتثبيت الاحتلال الصهيوني بالمخالفة لقرارات مجلس الأمن!
وبالمثل، إذاعة عدن، أنشأتها سلطات الاحتلال بعد 20 عاماً على ظهور الإذاعة وانتشار الراديو عالمياً، وبهدف التصدي للمد الثوري التحرري الهادر عبر الأثير من إذاعة «صوت العرب» في مصر!
أيضاً، المباني السكنية في المعلا وخور مكسر، ثم دار سعد، شيدت لإسكان ضباط الاحتلال وحاشيته (الجاليات التجارية الأجنبية) وعائلاتهم، والمباني السكنية في البريقة شيدت لإسكان عمال المصافي!
عدا ذلك، ظلت مشاريع محطة الصرف الصحي، محطة تحلية المياه، محطة الكهرباء، شبكة البريد، ثم البرق والهاتف، الفنادق، النوادي، دور السينما، الإذاعة... مشاريع تجارية بالأساس، تدر أرباحاً متنامية.
يُضاف إلى الهدف التجاري الربحي لهذه المشاريع هدف خدمي إجباري لتلبية احتياجات ضباط وأفراد القوات البريطانية وعائلاتهم، من منتسبي القاعدتين العسكريتين البحرية والجوية المركزيتين في المنطقة.
يبقى الثابت أن الغزاة لا يقترن بهم التعمير والإعمار، وإن فعلوا فبمقدار محدود لتثبيت احتلالهم وتنمية مصالحهم، مثلما يظل المؤكد أن قوى الهيمنة الخارجية الجديدة لا تنشد لعدن وجنوب اليمن الإعمار ولا الازدهار ولا حتى الاستقرار!

أترك تعليقاً

التعليقات