احتلال عدن!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تحل بعد أيام الذكرى الحادية والستون لثورة «14 أكتوبر» على الاحتلال البريطاني لعدن وجنوب اليمن، في ظروف احتلال خارجي جديد، تجعل الأهم درس الاحتلال نفسه: كيف وقع؟ وكيف دام طوال 129 عاماً؟ وكيف تسنى قهر قوات الاحتلال ودحرها من جنوب اليمن؟
على قصف مدفعي عنيف وكثيف، استفاقت مدينة عدن فزعة، فجر التاسع عشر من كانون الثاني/ يناير 1839، بمواجهة هجوم بوارج بريطانية إيذانا باحتلال المدينة، الميناء الكوني، بذريعة الاعتداء على سفينة تجارية هندية بريطانية تحطمت في مياه خليج عدن، رغم عرض دفع التعويض المادي.
لم يكن الهجوم هو الأول على عدن، لكنه كان أول هجوم مزدوج من البحر والبر، جاء خلاصة ثلاث سنوات من دراسة المدينة وتحصيناتها. ورغم المقاومة اليمنية الباسلة وصرعها العشرات من جنود الغزو، إلا أن الغلبة ظلت لصالحه، بفعل فارق العدد والعتاد، وعامل المباغتة الغادرة.
فعلياً، سبق الاحتلال مقدمات أخذت شكل معاهدات تجارية، ثم صداقة، أبرمتها شركة الهند الشرقية البريطانية، لفتح وكالة تجارية في ميناء عدن، ثم استئجار الأخير، لكن الهدف ظل امتلاكه، لحسم صراع المنافسة الأوروبية على طرق الملاحة بين مواطن الثروات ومصانع الإمبراطوريات.
كان يمكن -وكما ظل يحدث- دحر الغزو عبر المقاومة اليمنية التي استمرت قوية وعنيفة متقطعة، لولا أنها لم تكن منظمة وموحدة، بفعل حال التمزق التي كان يعيشها اليمن بين كيانات وزعامات جهوية طامعة في الحكم، استغلت تحرر شمال الوطن من الاحتلال التركي الثاني، لتعلن انشقاقها.
نجحت سلطات الاحتلال البريطاني في إخماد المقاومة عبر تعميق التمزق وتوسيع التفرق، واستطاعت ترغيباً وترهيباً، توقيع اتفاقيات حماية مع الكيانات الجهوية الطامحة في الحكم، تضمن اعترافاً متبادلاً وحماية مشتركة، مقابل مشاهرات أو مرتبات دائمة لزعمائها ونسلهم من بعدهم.
أوجدت الاتفاقيات ما عُرف بالنواحي التسع، ابتداء من العام 1873، ورافقها أيضاً بيع زعامات هذه النواحي مساحات شاسعة من الأراضي للاحتلال البريطاني، بينها الشيخ عثمان والبريقة وغيرهما، ما وفر جيوباً لتأمين سيطرة بريطانيا على عدن، وإدامة احتلالها جنوب اليمن.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل سعت بريطانيا لتعميد احتلالها عدن ووصايتها على جنوب اليمن بما عرف بالمحميات التسع، عبر توقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع المحتل التركي لشمال اليمن، قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، ليتشارك الاحتلالان تشطير اليمن.
عقب تحرر شمال اليمن من الاحتلال التركي الثالث عام 1918، اتجه لتحرير جنوب البلاد، فدفعت بريطانيا بالإدريسي لاحتلال عسير وجيزان وتهامة، واحتلال ابن سعود نجران، ودعمتهما في حرب الإمام يحيى معهما، ليضطر لتوقيع معاهدتي هدنة مع ابن سعود، وبريطانيا عام 1934.
تطلب دوام الاحتلال لجنوب الوطن مزيداً من الإعلال لقوة اليمن، فاستمرت بريطانيا في إعمال سياسة «فرق تسد»، وبعدما كانت كيانات جنوب اليمن تسعاً، صارت 23 كياناً، مطلع ستينيات القرن الماضي، واتحد اليمنيون في ثورة «14 أكتوبر» بوجه الحرمان وأسباب الهوان، ونير الاحتلال البريطاني.
يخلص المؤرخون، بمن فيهم البريطانيون أنفسهم، إلى النتيجة نفسها: إن اليمن لم يخضع لاحتلال أجنبي إلا حين تمزقت قواه وتفرقت أيدي شعبه وتشققت صفوفهم، مثلما تقر بأن اليمن ظل عصيا على غزاته وبلغ أوج حضارته باتحاد قواه وتوحد إرادة شعبه ووحدة إدارتهم على كلمة سواء، عنوانها السيادة والعدالة.

أترك تعليقاً

التعليقات