1994 عكساً!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

تعالوا نسعى لاستيعاب حقيقة ما كان من حرب أليمة، ونتتبع سيناريو أحداث صيف العام 1994 عكسيا.. ماذا لو كانت الغلبة لقوات نائب رئيس مجلس رئاسة الجمهورية علي سالم البيض؟! ماذا لو حسمت ألويته المدرعة الحرب في عمران وذمار وطوقت العاصمة صنعاء واجتاحتها بمعاونة مليشياته؟! هل كان قادة الشمال سيعلنون الانفصال؟!
كان الحزب الاشتراكي اليمني، بقيادة علي سالم البيض والمهندس حيدر أبو بكر العطاس وبقية القيادات الستة عشر، بدلاً عن إعلان الانفصال، سيعلن نفسه حاكما شرعيا للجمهورية اليمنية، وقد يشرك أحزابه اليسارية، التي راهن عليها في بلوغ الانفراد بالحكم عبر الانتخابات.
وكانت قيادات شمال اليمن -السياسيين والإداريين والعسكريين والأمنيين والاقتصاديين- في حال لم تجر محاكمتهم عسكريا وإعدامهم جماعيا ميدانيا، وفي حال لم تجر محاكمتهم وسجنهم بأحكام مؤبدة، سيسلمون له بالغلبة والحكم ويجارونه حتى يتمكنوا منه، ولو بعد حين.
بالطبع، كانت قيادة الحزب الإشتراكي ستواجه جماعات تنظيم الإخوان (تجمع الإصلاح وتنظيمي القاعدة وجيش أبين عدن الإسلامي.. الخ) التي كفرته وأهدرت دماء كل قياداته ومنتسبيه، وستقمعها بلا هوادة وتسحل اعضاءها وقياداتها كما فعلت إبان فرض حكم الحزب على جنوب اليمن كاملا.
لن تأبه لحجم الدمار والدماء كما فعلت وهي تطلق "صواريخ اسكود" على صنعاء، وستمضي بيقين "الحق والعدل والنصر"، وتكرر تجربتها الدموية في جنوب اليمن، بتصفية الناقدين والمعارضين والمقاومين، وفي مقدمهم بالطبع قيادات جنوب اليمن من "الزمرة" الفارين إلى شمال اليمن إثر حرب 13 يناير 1986.
وكما هي عقلية التنظيمات السياسية الشمولية، المسكونة بنزعة الاستحواذ "ولا رأي إلَّا ما أرى" والشك في الاخر وهاجس المؤامرة، كان سيبدو طبيعيا اخلاء مؤسسات الدولة من كل من ليس اشتراكيا وجنوبيا "طغمويا"، وتأميم ومصادرة أملاك وأموال الخصوم وأقاربهم، وبموجب قانون يصدره الحزب رسميا، بالطبع.
بعدها، كانت قيادة الحزب ستعلن الانتصار على "القوى الرجعية المتخلفة" وتؤكد السير على درب "التقدمية التحررية الاممية والعدالة الاجتماعية" بمصادرة الأملاك الخاصة وقيدها باسم الدولة، واحتكار التجارة والخدمات العامة على "الدولة الاشتراكية العادلة"؛ مع مراعاة المتغيرات، متغيرات انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين: الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي الاشتراكي الراديكالي والغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية الرأسمالي الليبرالي، ولعل قيادة الحزب الاشتراكي اليمني حينها كانت ستجمد هدف "تصدير الثورة الاشتراكية" للمنطقة.
لكن قيادة الحزب حينها قد تواجه مصير اليمن الراهن اليوم، جراء عدم اعتراف "الدول الإمبريالية وعملائها في المنطقة السعودية ودول الخليج" بسلطته وشرعية حكمه اليمن، وتفرض عقوبات سياسية، ثم اقتصادية، فضربات عسكرية تُنهي ما تبقى من جيش وسلاح جنوب اليمن وشماله.
الجيش اليمني الموحد، بما كان لديه من ترسانة أسلحة سوفيتية حديثة جعلت من العند قاعدة عسكرية اشتراكية كبرى، أدرجت على قائمة ما يجب تصفيتها بالمنظور الأمريكي ودول المنطقة، فكانت تصفيتها أحد أهداف تأجيج الأزمة في اليمن، وصولاً إلى إشعال الحرب في صيف العام 1994م.
ولعل هذه التداعيات لسيطرة الحزب الاشتراكي اليمني على حكم اليمن كاملا، كمنتصر في حرب صيف العام 1994م، كانت لتطلق بدعم خليجي عنان سلاطين ومشيخات الأمس جنوبا، فتظهر دعوات انفصالية، وحراكا مناديا بما يسمى "الجنوب العربي" تمهيدا لعودة سلطنات وإمارات الجنوب.
لكن المؤكد أن سكان شمال اليمن، رغم كل شيء، ما كانوا ليحقدوا على سكان جنوب البلاد بجملتهم، أو يقولوا إنهم "تحت الاحتلال الجنوبي"، أو يفكروا في ذلك أصلاً، لتفريقهم بين أنظمة حكم سياسية تخطئ وتصيب وبين مسألة وطن يضم شعبا واحدا شركاء في اليسر والعسر على امتداد أرجائه.
هذا ليس ادعاء أو افتراضا غيبيا، بل استنتاج يرقى إلى اليقين من واقع تجارب، جسد فيها سكان شمال اليمن هذا التفريق عمليا، رغم أهوال حروب النظام الحاكم لجنوب اليمن على مدنهم وقراهم في عام 1972 وعام 1979 وما بينهما من حروب غير نظامية مولها وأدارها عبر جبهته اليسارية في "المناطق الوسطى" لشمال اليمن.
سقط في هذه الحروب عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين في مدن شمال اليمن، وقيل "140 ألف قتيل وجريح"، ودمرت آلاف المنازل والمرافق، وسممت الآبار، ولغمت الجبال والحقول والوديان تحصد البشر والمواشي، واعتقلت الآلاف، ولم يحقد الشماليون على اخوتهم الجنوبيين ولا حتى على حكامهم.

أترك تعليقاً

التعليقات