كفى جدلا!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
أرى -وأجري على الله- وإعمالا لقاعدة «لكل مقام مقال»، أن المقام ليس مقام غمة وعويل بل فرحة وتهليل. مقام نعمة وتبجيل لا مقام نقمة وتضليل. ذكرى مولد رسول الرحمة، محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مقام ائتلاف لا اختلاف، وابتهال لا جدال، واحتفاء لا إخفاء، واقتداء لا افتتاء.
المقام مقام رحمة وتسهيل، لا مقام قسوة وتنكيل. مقام مودة ووئام، لا مقام مبغضة وخصام. مقام وحدة والتحام، لا مقام فرقة وانقسام. مقام تجميع وتشجيع لا مقام تشييع وتبديع وتشنيع. مقام تذكير وتفكير وتقدير وتكبير...
 لا مقام تنكير وتعزير وحجر وتكفير. مقام تنوير وتغيير، لا مقام تحوير وتغرير.
لا مبرر على الإطلاق للاختلاف في جامع الجوامع لكل المسلمين ومن يفترض أن محبته قاسم مشترك لجميع المسلمين لله والمؤمنين به ورسله. إظهار هذه المحبة للرسول النبيل وهو الشفيع لأمته والكفيل، هو حق أصيل مكفول للجميع، ولا يعارضه أو يعترضه إلا مبغض أشر أو منافق مستتر.
هذا المقام الجميل، ذكرى مولد من قال فيه سبحانه وتعالى: «قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى» خاتم النبيين والمرسلين من لدن ربنا الله الواحد الأحد، الجليل الصمد؛ مدعاة للاحتفاء ومناسبة وجيهة للاحتفال، لا تتطلب إفتاء بجوازه، وتفترض من جميع المؤمنين بالله ورسوله، التشجيع لا التشنيع أو التبديع.
يلزمنا كلنا، على اختلاف توجهاتنا الفكرية والسياسية، في هذا الاحتفاء بذكرى مولد نبي الضياء، رسولنا خاتم المرسلين والأنبياء، إحياء سيرته المشرفة، المنزهة عن النقص والعيوب، ونستلهم من مسيرته المطهرة أصلح السبل وأصح الدروب، إلى الله مجري السحاب ومرسل الهبوب ومفرج الكروب.
نحتاج بصدق، في هذه الذكرى العظيمة بعظمة صاحبها ومهديه إلينا، من كل سنة جديدة، إلى الاستنارة بضياء الهداية، والاستزادة من نور هذه الهداية، والاستعانة بهدي الرسالة لبلوغ غاية الاستقامة في حياتنا الدنيا الفانية، والظفر بأسباب النجاة والسلامة، والفوز بنعيم السعادة الخالدة بحياتنا العليا الآخرة.
يلزمنا جميعنا أن نقتدي بخطى من جعله الله لنا «أسوة حسنة» لصلاح حالنا وفلاح مآلنا؛ في تصحيح العيوب وإصلاح العطوب، وتدعيم الهش وترميم المخروب، وتسوية ظهرنا المحدوب وحالنا المغلوب، والتخفف من الذنوب، ومعرفة الواجب والمندوب، وبيان المحمود والمنبوذ، في مواجهة الصروف والخطوب.
نحتاج في لجة هذه الخطوب وغمة هذه الكروب، أن نؤوب إلى الله سبحانه وتعالى ونتوب. يلزمنا لهذا بين أهم ما يلزم أن نذوب في رسولنا المحبوب، صلى عليه وآله وسلم علام الغيوب. وأن نقطب ونطهر الندوب في كل القلوب، ونرتق ونسد الثقوب في واقعنا المنكوب، ونسترد عزنا المسلوب.
تفرض هذه المناسبة علينا جميعنا، أن نتذكر ونتفكر، نتأمل ونتدبر، وندرك أن الماء قد يروب لكن اليهود والنصارى لا تتوب، وإلى الله ودينه الحق لا تؤوب، وعن شرورها ومكرها لا تحوب. ولن تكف عن اقتراف الذنوب ولا عن التربص بمحمد وأمته، فلن ترضى عنه حتى يبدل ملته وإليهم ينوب.
نتطلع بحق أن تكون مناسبة ذكرى المولد النبوي البهيجة في كل عام، منطلقا لبيان هام على مدار العام، لواجبنا المحجوب، لاستعادة حقنا المسلوب من طواغيت العصر وقوى حلف الشيطان ونسترد قدرنا المهيوب، فنكون مصداقا لقول الله تعالى: «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون».

أترك تعليقاً

التعليقات