القبح واحد
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

يتبارى مؤيدو التدخل الخارجي في اليمن بمعايرة بعضهم البعض بالخيانة والعمالة لهذا الطرف دون الآخر في تحالف الحرب السعودي الاماراتي. ويتناسون أنهم جميعهم مرتهنون للخارج ومستلبون لأطرافه وخادمون لأجندات مصالحها وأطماعها، مِنْ وراء هذا التدخل، والسعي لمد نفوذها وهيمنتها.
ليس من الوطنية تمجيد أي غاز محتل للوطن أو سالب لاستقلاله أو منتهك لسيادته، أيا كانت رايته ودعاواه وشعاراته. ومع ذلك، مع الأسف يجاهر محسوبون يمنيون بتمجيد السعودية أو الإمارات أو قطر أو تركيا، ونسب أفضال لكل منها، تجيز وتسوغ إباحة اليمن لها وتبرر استباحتها اليمنيين.
الحال نفسها مع مَنْ يمجدون أيضاً العثمانيين، فهم -في الأصل- غزاة محتلون، عجم تدثروا الإسلام وباسمه جاؤوا بجيوشهم وولاتهم وموظفيهم لما سموه «فتح» بلاد مسلمة قبلهم وحكم اليمن بالقوة وجني خراجه لصالح امبراطورية «بني عثمان» ومجون حياة أمرائها وسفه بذخ إنفاقهم على قصورهم.
حتى ما يسميه مَنْ يمجد الاتراك «جامعات صناعية وإدارية وعسكرية» شيدوها في اليمن، كانت مدارس صغيرة لم يظهر لها أثر مجتمعي يذكر في اليمن أو ملمح تغيير يلمح في الحياة العامة، لأنها كانت مدارس نخبوية وخاصة لأبناء الولاة والضباط والموظفين العثمانيين وحاشيتهم المرتزقة أنفسهم يتناسى هؤلاء أن «بني عثمان» غزاة ومحتلون، شيدوا امبراطوريتهم على حساب العرب وخراج دولهم، وأنهم مَنْ سلم فلسطين لبريطانيا مثلما سلموا العالم العربي باتفاق «فرساي» لتتقاسمها دول أوروبا المنتصرة في الحرب العالمية الأولى وباركت اتفاق «سايكس بيكو» لتوزيع تركتها «من حق عمه ما همه».
يجري تجاهل ذلك عمدا من نخب هؤلاء، وجهلا من قطيعهم الإمّعي، ويتناسون أن بقاء تركيا بعد انهيار إمبراطورتيها مستقلة، واستثناءها من صك «فرساي» و»سايكس بيكو» كان ثمنه تسليم العالم العربي، لتقاسم واحتلال المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، فدية لإنقاد اسطنبول واستقلال الأناضول.
مازال هؤلاء يمجدون تركيا، رغم مجاهرة ديكتاتورها «أردوغان» في كلمة موثقة بأن «تركيا لاعب رئيس في خلق شرق أوسط جديد». هذا «الشرق الجديد» الذي أعلنت عنه واشنطن بداية الألفية، ويقوم على تقسيم دول المنطقة على أساس إثني (أقليات عرقية وطائفية ومذهبية) تحت شعار «الفيدرالية»!
لا تخفي تركيا دعمها ما سمَّاه الغرب «الفوضى الخلاقة» وجمّله بوصف «الربيع العربي»، الأداة الأمضى لهذا التفكيك والتفتيت المتواصل، لصالح «إسرائيل» حليفة أنقرة، اقتصاديا وعسكريا وصناعياً وزراعياً ومائياً... الخ من مجالات اتفاقات التعاون المبرمة بين تركيا الجديدة منذ نشأتها والكيان الصهيوني.
هؤلاء أنفسهم هم مَنْ مجد التدخل العسكري السعودي والإماراتي في اليمن على اختلاف فصائلهم، قبل أن ينقسموا في مدح وقدح السعودية والإمارات، إثر خلافهما مع قطر، بنك «جائحة الربيع» المدمر وعاصمة «الإخوان»، وأول دول المنطقة تطبيعا وتحالفا مع «اسرائيل»، وعلى حساب العرب أيضاً.
لكي تكون وطنياً، ينبغي أن تكون كذلك بالفعل قولا وعملا، انتماء وولاء لوطنك وحده، من دون امتداد أو استلاب لأي طرف خارجي أيا كان، فالغازي والمحتل واحد في القبح، وواحد في أطماعه واستغلال من يغزوه أو يحتله أو يتدخل في شؤونه وينتهك سيادته ويسلبه استقلال قراره ويصادر إرادة شعبه.
وسواءً كان هذا الغزو والاحتلال مباشراً عبر قوات احتلال أجنبية، أو احتلالاً غير مباشر عبر تجنيد قوى محلية تتبعه، يظل هذا الطرف الخارجي غازياً ومعتدياً ومنتهكاً ومحتلاً. ويظل أتباعه مجرد طابور مرتزقة وعملاء للخارج، مهما تدثروا من دثارات أيديولوجية أو سياسية، فقبح العمالة يظل واحدا.
بحق الله كونوا يمنيين.. انتماؤكم وولاؤكم لليمن، لا السعودية ولا الإمارات ولا قطر.. لا إيران ولا تركيا ولا امريكا ولا بريطانيا ولا «إسرائيل» وأي طرف خارجي.. الارتهان للخارج هو نفسه، والامتهان للداخل هو نفسه. ولو أننا جميعنا نرتهن لليمن وحده، لما استخف بنا أو تجرأ علينا أحد، ولا استرخصنا أحد.

أترك تعليقاً

التعليقات