شلوَبَة!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
سنرخي سياط التركيع بالحصار ونستمر في التجويع والإفقار وقصف ما نشاء وقت ما نشاء بلا إخطار، تقول الرياض في ما تسميه «مبادرة للسلام»، وهي تعني بذلك الاستسلام. لكن هذا تطور فارق اقتضاه قطعا تلاشي الفوارق في معادلة الوجع وتوازن الردع، وهو بداية النزول من الشجرة. شجرة الكبر والغي والتجبر والبغي والطغيان في العدوان.
من المهم، التفاعل مع أي دعوات للسلام والتعاطي مع أي مبادرات تطرح باسم السلام. لكن الأهم قبل هذا وذاك، الاتفاق أولاً على مفهوم السلام. هو فعليا واضح ولا لبس فيه، إنما بمعايير هذا الزمان، زمان تسيد الباطل وصولاته، وقلب المفاهيم ومسخ القيم ونسف المبادئ؛ يغدو طبيعيا الالتباس واللغط، حتى في مفهوم السلام!
السلام، يعني بداهة، كل ما هو نقيض للاعتداء والاهتضام، وضدا للاحتدام والصدام. ولهذا فهو يعني زوال جميع مظاهر الاعتداء وممارسات الظلم ومجريات الضيم، بأي قدر أو شكل. وأول مقتضيات السعي لإحلال السلام، هي إنهاء الاعتداء بمختلف أشكاله وصوره، ووقف الحرب بجميع أصنافها وساحاتها وميادينها المتعددة.
معلوم أن الحرب المتواصلة على اليمن منذ 6 سنوات، ليست فقط عسكرية في ساحات النزال وجبهات القتال، بل هي أيضاً حرب إعلامية وسياسية، تستهدف الوعي، وتغرير العوام وتضليل الرأي العام، بتحوير الوقائع وتزوير الواقع، وبث الزيف ونفث الحيف، وتزيين الارتهان وتسويغ العدوان، وتعميم الخيانة وتسييد الباطل.
وهي أيضا حرب اقتصادية، تقوم على الإفقار المتعمد والتجويع الممنهج سبيلا للترويض المقصود والتركيع المنشود، عبر الحصار. فرض القيود على تدفق سلع الغذاء والدواء والكساء والوقود، وتجفيف موارد البلاد ووقف رواتب العباد. وهو يجري علنا، رغم كونه جرما، في جميع الأعراف والمواثيق الأممية والتشريعات الدولية!
لا يعقل إطلاق دعوة للسلام، وتضمين هذه الدعوة إصرارا على الاهتضام، والتحدث عن «فتح مشروط لميناء الحديدة ورفع محدود لحظر مفروض على مطار صنعاء»، فهذان الأمران من صميم الحقوق الإنسانية والقانونية، والمجاهرة بهذه المساومة جرم مركب يضاف إلى جرم تقييد مقومات الحياة لنحو 25 مليون إنسان مدني.
وفقا للقانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي، وقواعد الحرب، يُصنف كل تهديد لحياة المدنيين ومقومات العيش جريمة حرب كاملة الأركان. وتقييد تدفق الغذاء والدواء والوقود، إجرام علني يهدد حياة المدنيين بالفناء، فضلا عن جرم تقييد حرية الإنسان وتنقله وحظر السفر على المدنيين، أيا كان هدف السفر وداعيه.
يزعم تحالف الحرب الذي تقوده السعودية والإمارات منذ 6 سنوات، بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة البريطانية المتحدة، أنه يسعى إلى «حماية سلامة اليمنيين وحياتهم». وكذلك «هادي» وحكومته المهاجرة. وهذا حسب زعمهم أحد أهم مرتكزات «شرعية» شن هذه الحرب، وقد سقط بحصار الشعب وتجويعه وإذلاله.
تقتضي مزاعم «هادي» وحكومته وتحالف الحرب، حدا أدنى من الالتزام الواقعي بها، ومن ذلك زعمهم أن خصمهم هو «الحوثيون» كما يقولون، فيما واقع ممارساتهم الماثل، أنهم فجروا في العداء لجميع اليمنيين، والتنكيل بهم إرهابا وامتهانا، قصفا وتدميرا، قتلا وجرحا، حصارا وإذلالا، وإفقارا وتجويعا، إمراضا، وتشريدا وحرمانا.
فعلوا هذا طوال 6 سنوات، بغطاء دولي، يسوغ الباطل في أشنع صوره، ويبرر الجرم في أبشع صنوفه، حتى نسيوا أو تناسوا، أن هذا باطل وجرم، وحين تيقنوا أن لا جدوى من استمرار حربهم وأنها ترتد عليهم وبالا، عادوا ليساوموا اليمنيين كافة لا «الحوثيين» في حقوقهم الآدمية، الإنسانية والقانونية، حق الحياة والحرية والكرامة!
هي إذن، جولة جديدة من جولات لعبة الشَّلْوَبَة، وهي قذف الكرات أو الأشياء متتالية وإعادة قذفها بمجرد التقاطها. ومن يمارسها يدعى شَلْوَب: لاعب الكرات.. يُشَلْوِب بالكرات: يقذف بها الواحدة تلو الأخرى ويعيد قذفها بمجرد التقاطها. أما وصفها «مبادرة سلام»، فالأرجح أنها بالمفهوم «الإسرائيلي» للسلام وقولهم «شالوم»!

أترك تعليقاً

التعليقات