إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يواجه اليمن “خدعة” تبعث على النهدة، اسمها “هدنة”، بينما هي مجرد فسحة طويلة نسبيا من الوقت لاستكمال ترتيب أوراق أدوات تحالف العدوان وإعداد العدة، لتصعيد يضمن انزلاق اليمن في أتون فتنة أشد وأنكى، من التي جروه إليها طوال السنوات السبع ونيف الماضية، عنوانها حرب أهلية طاحنة، تدور رحاها هناك، بعيدا عن السواحل اليمنية وأخطار تضرر الملاحة الدولية، بشقيها الاقتصادي التجاري، والعسكري البحري.
أما النهدة، فمصدرها صدور ملايين اليمنيين المثقلين بكبد الحرب وكمد الكرب. عشرات الملايين من المدنيين المتطلعين إلى إنهاء هذا العدوان الغاشم والحصار الظالم. إطلاق سراحهم من سجن كبير، أودعتهم فيه ظلما وعدوانا، منذ 6 سنوات دول تحالف العدوان، بفرضها دون مسوغ قانوني وبالمخالفة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي؛ حظرا جويا على مطار صنعاء والحديدة وتعز، إلخ. وحصارا بريا وبحريا على موانئ الحديدة فعليا، ظلت “الهدنة” منذ بداية هذا العدوان على اليمن، مجرد إعلانات سياسية للاستهلاك الإعلامي، تواري جرائم بشعة ومجازر شنيعة. لكن الجديد هذه المرة في إعلان الأمم المتحدة “هدنة إنسانية” مطلع أبريل الماضي لمدة شهرين جرى تجديدها نهاية يونيو الفائت لشهرين آخرين، ثم في بداية أغسطس شهرين إضافيين، هو حاجة دول تحالف العدوان لإيقاف عمليات الردع الجوية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على المنشآت النفطية والاقتصادية في كل من السعودية والإمارات.
عدا هذا، واضح من مسار هذه “الهدنة”، أن غايتها، تنحصر في “إيقاف إطلاق النار” أو بالأصح “هجمات الردع الجوية”. وهو ما تجلى في سعي دول تحالف العدوان بكل ثقلها إلى تجديد ثالث لاتفاق “الهدنة” لأمد أطول، أو “هدنة مطولة” كما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن لدى زيارته السعودية ومشاركته في قمة مجلس تعاون دول الخليج في جدة. تمديد يقترح أن يكون أمدها ستة أشهر أخرى، من حال اللاسلام واللاحرب، وهو ما لم يحدث، حيث جددت لشهرين فقط.
صحيح أن هذه “الهدنة” أفضت إلى إيقاف غارات طيران التحالف وجرائمها، ورفعا جزئيا مقيدا للحصار عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء، في مقابل إيقاف هجمات الردع اليمني للعدوان وحصاره. لكن هذا لايزال دون الحق المستحق للشعب اليمني والمطالب المشروعة والعادلة، في تحييد مقومات العيش اللازمة للحياة عن الحرب، والتوقف عن اتخاذها سلاحا ضد اليمنيين، يسعى إلى ترويضهم وإخضاعهم لأجندة دول تحالف العدوان ووصايتها.
عمليا، لا تراعي دول تحالف العدوان، أي أبعاد إنسانية، وتصر على الكيل بمكيالين: ما تراه إنسانيا في مناطق سيطرة قواتها وأدواتها، لا تراه إنسانيا في عداها! الأمثلة هنا، تفوق الحصر، وليس آخرها، رفض التزام بنود اتفاق “الهدنة” بعرقلة تسيير العدد المحدد للرحلات من مطار صنعاء لإسعاف عشرات الآلاف من ذوي الأمراض المستعصية على العلاج في الداخل، والإصرار على احتجاز سفن المشتقات النفطية لأسابيع قبل السماح بدخولها ميناء الحديدة.
يحدث هذا رغم تسويغ الهدنة بمبرر “تعزيز الثقة والتهيئة لمفاوضات إحلال السلام”. بينما لا يظهر أن الهدف إيقاف هذا العدوان والحصار، أو تخفيف كواهل 30 مليون يمني من وغب الكرب، وتداعيات الحرب العدوانية، على مختلف مناحي الحياة. لا جدية في هدف كبح تفاقم ما تصفه الأمم المتحدة بأنه “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، جراء الحرب الاقتصادية الممنهجة، إفقارا لليمنيين بإيقاف صرف رواتب الموظفين وتدميرا للاقتصاد والعملة وتعطيلا للخدمات!
يتأكد هذا، بإطلاق التحالف اتهامات عرقلة الهدنة والسلام، إلى من يطالب بإدراج الملف الاقتصادي في اتفاق تمديد الهدنة! المطالبة بصرف رواتب موظفي الدولة الموقوفة منذ ست سنوات من عائدات تصدير نفط مأرب وشبوة وحضرموت، وبتوحيد السياسة المالية للبنك المركزي اليمني في صنعاء وعدن، لكبح تدهور العملة وانهيار الاقتصاد، وتبعاتهما على أسعار السلع الغذائية والخبز والمشتقات النفطية والخدمات العامة! هذه المطالب صارت عرقلة وتعنتا!
لذلك، يبرز تمديد “الهدنة” مجرد خدعة، لاستقطاع أكبر فسحة من الوقت بهدف إعادة ترتيب الأوراق وتوحيد أدوات تحالف العدوان ومليشياتها المسلحة وتجنيد المزيد منها بمسميات جديدة، لتفجير حرب أوسع نطاقا وأفدح آثارا على ملايين اليمنيين المدنيين، الذين تجزم الأمم المتحدة في تقارير بعثاتها أن “85% من اليمنيين باتوا يعانون من الفقر المدقع والعوز للخدمات والحرمان للحد الأدنى من الأمن الغذائي، ويعتمدون على المساعدات الإغاثية للبقاء أحياء”!
المصدر ابراهيم الحكيم
زيارة جميع مقالات: ابراهيم الحكيم